Thursday , 25 April 2024 KTM College
Literature

الشاعر محمد بن عبد العزيز الكالكوتي وقصيدته "فتح المبين"

30-September-2021
الدكتور محمد أسلم. أن. كى
الأستاذ المشارك، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية كى تي يم للدراسات المتقدمة، كروفاراكوند، كيرالا

 اللغة العربية إحدى اللغات السامية، ولها ارتباط وثيق بحياة المسلم الروحية والمادية في أية بلدة سار الإسلام إليها، وهي لغة العالم الإسلامي من جزيرة العرب إلى الأندلس ومنها إلى الصين، وحينما استوطن العرب الهند دخلت معهم هذه اللغة الهند. ومع انتشار الإسلام انتشرت معه اللغة العربية في نواحيها واستقرت في أرجاءها. لا شك، أن اللغة العربية نشأت في كيرالا إثر انتشار الدعوة الإسلامية فيها. عندما ظهر الإسلام في أراضي كيرالا، وبدأ ينتشر في باديتها وحاضرها، اضطر المسلمون الذين سكنوا في كيرلا إلى تعلم اللغة العربية. لأنها لغة الإسلام والمسلمين، ولغة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وسائر العلوم والأحكام الشرعية، أنجبت كيرلا كثيرا من العلماء والأدباء. ومن أهمهم شاعرنا محمد بن عبد العزيز الكالكوتي.
الشاعر الأول الذي وصلت إلينا أشعاره هو القاضي أبوبكر بن رمضان الشالياتي المتوفى سنة 1480م. الشعراء المتقدمون في كيرلا نظموا القصائد في الأحكام الدينية والمبادئ الأساسية اللازمة حفظها كما كان شأن الشعر عند العرب وعند اليونان. ويعرف أول قصيدة لأهل كيرالا هو "تخميس البردة" للقاضي الشالياتي، وله تخميس آخر لبانت سعاد. هو والشيخ زين الدين بن علي المعبري المتوفى سنة 1522م من أوائل الجيل الأول من شعراء كيرالا بالعربية. فقرضهما لرغبتهما في الدين ومحبتهما للرسول صلى الله عليه وسلم وإبعاد المسلمين عن الاخلاق الذميمة وشدة حرصهم على التخلق بأخلاق إسلامية سامية. ثم جاء القاضي محمد. وله منظومة في مقاصد النكاح وقصيدة في بيان الحرب الشديد بين الملك السامري وبين الإفرنج حيث اشترك المسلمون مع السامري في حماية وطنهم. (الدكتور محمد أنظر- مجلة اللغة، 10/04/2015)
القضاة في كيرالا كانوا من سلالة مالك بن حبيب. ولد القاضي محمد في سنة 1577م بكالكوت في أسرة عريقة ذات معرفة واسعة، وكانت أسرته من أسرة القضاة آنذاك، ويمتد نسبه إلى المدينة المنورة، وإلى أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ”فهو محمد بن عبد العزيز القاضي بن علامة شهاب الدين أحمد القاضي بن القاضي أبوبكر فخر الدين ابن القاضي زين الدين رمضان بن القاضي موسى بن القاضي ابراهيم بن القاضي محمد بن مالك بن حبيب بن حبيب بن مالك بن محمد الأنصاري المدني، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". (البروفوسور عبد العزيز المنغادي – قصيدة فتح المبين، شرح وتعليق). تلقى العلوم الدينية الابتدائية من والده القاضي عبد العزيز، ثم أخذ بدرس علوم زمانه من أمثال العلامة عثمان لبا القاهري والشيخ عبد العزيز آل مخدوم المعبري. وكان بارزا في علوم القرآن والحديث والفقه وعلوم الأفلاك والنجوم والفلسفة والتصوف.
وكان أبوه القاضي عبد العزيز عالما كبيرا وقاضيا في كالكوت، وكان مستشارا لملك ساموتري في حروبه مع البرتغاليين، وكان أيضا شجاعا ومتمرسا في فنون الحرب والقتال. وورث ابنه محمد هذه القدوة الحسنة والعادة الطيبة كما ورث العلوم الدينية والمادية. وتولى منصب القضاء بعد موت أخيه علي الناشوري، واستمر فيه حتى لقي أنفاسه الأخيرة. وقد نال قبولا واضحا في أوساط المسلمين والهنادك على حد سواء. وكان يصدر الفتاوى في المسائل المهمة.
وكان عاملا كاملا بالقرآن الكريم والتفسير العظيم، وعالما تقيا على السنة الشريفة وأصول الحديث الواضحة، وهاديا للخلق، ومرشدا للإنس. ومع ذلك، لقد أجرى القاضي يراعه للإسلام والوطن، وكرس حياته للمسلمين وأهل الهنود، حيث إنما كان يعيش في زمن ألقى رحى الحكم في أيدي البرتغاليين، وكانوا يدخلون إلى مالابار في أول الأمر للتجارة، ثم دخلوا إلى أمور الحكم، وكانوا يضمرون الحقد والحسد والعداوة ضد الهنود عامة وضد المسلمين خاصة. وشهدت ديار ماليبارآنذاك حروبا دامية متوالية بين أهل مالابار وبين البرتغاليين. وكان القاضي في مقدمة المحاربين الهنود ضد البرتغاليين. "وكان القاضي محمد، إلى جانب علمه وورعه، يتمتع بملكة شعرية وبراعة فريدة على نظم القصائد. وكان من زمرة الشعراء الفقهاء أو الفقهاء الشعراء في مليبار، وجاءه الشعر منقادا، تناول فيه شتى العلوم والفنون والمسائل الفقهية العويصة والقواعد النحوية والمفردات اللغوية" ( الدكتور أبوبكر محمد – مقاومة الاستعمار البرتغالي في ماليبار – ص- 81)، كما في قصيدة التي ذكرنا في هذا الفصل هي " الفتح المبين للسامير الذي يحب المسلمين".
وانتقل الشيخ رحمه الله إلى جوار ربه في 15 ربيع الأول 1025هـ الموافق 1616م، ودفن بجوار الجامع الكبير بكالكوت المعروف حاليا بجامع كوتيشيرا (Kuttichira ).

تأليفاته العربية

وله آثار كثيرة نافعة، وقيل: ألف القاضي خمسين كتابا في شتى المواضيع نثرا ونظما، وأكثرها منظومة في العلوم الدينية والعربية والتاريخ. ومعظمها ضاعت وخسرت من أيدي الزمان، ولم يصل إلينا إلا القليل، منها :
1) قصيدة الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين
2) مقاصد النكاح
3) الدرة الفصيحة في الوعظ والنصيحة
4) قصيدة إلى كم أيها الإخوان
5) منظومة الأجناس
6) منظومة في علم الحساب
7) منظومة في تجويد القرآن
8) منظومة في علم الأفلاك والنجوم
9) منظومة في الرسائل والخطوط
10) نظم قطر الندى
11) منتخبات الفرائض
12) منظومة في العواملد
13) مدخل الجنان
14) مرثية للشيخ عثمان لبا القايلي
يقول الدكتور أبوبكر محمد في كتابه "مقاومة الاستعمار البرتغالي في ماليبار": ومن أهم مؤلفاته كتابه "مقاصد النكاح" الذي يتناول فيه بالتفصيل كل جوانب ومسائل الحياة الزوجية، كما أن أشهر أعماله قصيدته الرائعة الجمال، وساحرة البيان "محي الدين مالا" التي يبين فيها القاضي مناقب شيخ طريقته الصوفية – الطريقة القادرية- الشيخ عبد القادر الجيلاني. والقصيدة في اللغة العربية المليالمية (Language Arabi-Malayalam) والجدير بالذكر، أن الذي حداه إلى نظم هذه القصيدة المطولة أنه رأى قومه يتنازعون ويتناحرون باسم الطرق والمشائخ الصوفية، فأراد أن يجمعهم على طريقة واحدة، هي الطريقة القادرية، ويحقق بذلك توحيد صفوف المسلمين (الدكتور أبوبكر محمد – مقاومة الاستعمار البرتغالي في ماليبار – ص- 81). وكان شاعرا ولم يعرف عنه سوى انه يتنمي إلى أسرة معبر العلمية، نظم شاعرنا وصفا لحروب الزامورين ضد البرتغاليين بقيادة فاسكودي غاما في قصيدة طويلة تحتوي على خمسمائة وثلاثة أبيات من الرجز تحت عنوان "الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين"(الدكتور زبيد أحمد – الآداب العربية في شبه القارة الهندية – ص- 242).

قصيدة فتح المبين

هذه القصيدة المشهورة وردت من أيدي القاضي محمد بن عبد العزيز الكالكوتي، ونظمها الشاعر في نحو 1579م، وذلك لأن الاستيلاء على القلعة البرتغالية في شاليات. ولأن الشاعر قد أشار في قصيدته بأسى بالغ وحزن عميق إلى معاهدة بين السلطان إبراهيم علي عادل شاه، وبين البرتغاليين، وكانت تلك المعاهدة في 1579م، ومات السلطان على عادل شاه في السنة نفسها، ولكن الشاعر لم يشر إلى وفاة السلطان، ومن ثم نكاد نجزم بأن القصيدة نظمت بعد إبرام المعاهدة وقبل وفاة السطان، أي في 1579م نفسها.( الدكتور أبوبكر محمد – مقاومة الاستعمار البرتغالي في مليبار – ص- 91)
وهي من أهم المراجع التاريخية التي تسلط الضوء على تاريخ المقاومة وحركة التحرير الوطني الذي تجاوبت أصداؤه في أرجاء الهند قبل خمسة قرون، حيث شهدت ديار كيرلا الاحتلال البرتغالي الغاشم، وبين الشاعر فيها معاملتهم الشنيعة مع أصحاب هذا البلد لاسيما مع المسلمين، ولها أهمية أخرى، لأن المؤلف معاصر لهذا الاحتلال شاهد عين لتلك الأحوال الحزينة والأمور الهائلة. ويبين القاضي محمد بن عبد العزيز الكالكوتي هول هذه الأحوال التي نشبت فيها والأعمال الوحشية التي قام بها البرتغال، ويبين أيضا مناقب الملك ساموتري وما يجب على المسلمين من إسداد الخير إليه والدعاء له.
وهذه القصيدة تشتمل على موضوعات عديدة ، ومن أهمها: الأول: علاقة السامري بالمسلمين وبالعكس والثاني: الكلام في مدح السامري وبيان صفاته والثالث: الدعاء للسامري للخير والسكينة في الحكم والسلطة. والرابع: بيان وصول البرتغاليين إلى كيرالا وأفعالهم. والخامس: بيان مظالم البرتغاليين وإفسادهم في مليباروموقفهم عنهم. والسادس: مصالحة السامري مع البرتغال وإذنه لبناء القلعة في كاليكوت. والسابع: وقوع الخلاف بين السامري والبرتغال وفتح قلعة كاليكوت. والثامن: مصالحة البرتغال مع ملك كوشن، والتاسع: طلب السامري النصر والمعونة من سلاطين المسلمين الخارجين من ديار مليبار، والعاشر: مصالحة أهل كانانور وتانور مع البرتغال، وبدء الاختلاف بين المسلمين، والحادي عشر: مصالحة الملك سامري مع البرتغاليين وبناء قلعتهم في شاليام، والثاني عشر: بيان ضعف السامري في الحكم والكفاح، والثالث عشر: وصف أندوني البرتغالي وأصحابه وأعمالهم السيئة في ديار مليبار، والرابع عشر: اتفاقية عادل شاه مع نظام شاه، والخامس عشر: بيان فتح قلعة شاليام والحروب التي دارت بين المليباريين والبرتغاليين لفتحها، والدعاء للسامري لما رجع من كدنغلور، والسادس عشر: بيان فيما بعد فتح القلعة، والسابع عشر: مصالحة عادل شاه مع البرتغال وقصة انشقاق القمر.
وقد تكلمنا عن موضوعات القصيدة، هي التي تدل على كثير من الوقائع التاريخية لكيرلا، لا سيما لديار مليبار في تلك الأيام. كما أنه مرآة صادقة للحياة الاجتماعية التى كان يسودها المؤاخاة والألفة بين المسلمين والهنادكة. حيث إنها تشير إلى كثير من زوايا تاريخ كيرلا. "وقد جمع القاضي الوثائق التاريخية لتأليفها من والده القاضي عبد العزيز ومن البطل الباسل سيد أحمد القمامي(الدكتور جمال الدين الفاروقي – أعلام المؤلفين بالعربية في البلاد الهندية – ص- 83). "وظلت القصيدة غير مطبوعة محفوظة في أيدي المولوي عبد القادر الفضفـري"(الدكتور ويران محي الدين - الشعر العربي في كيرلا مبدأه وتطوره – ص- 80) ثم جمعها في كتابه جواهر الأشعار، وقال في سبب ذلك "ولما كانت هذه القصيدة غير مطبوعة إلى هذا الوقت مع عزتها ورغبة من المتعلمين في تحصيل نسخة منها أشار إلينا بعض أحبتنا يإلحاقها في هذا الكتاب جواهر الأشعار فقبلنا إشارته. (عبد القادر الفضفري – جواهر الأشعار – ص - 241). إن محورالقصيدة الذي يدور حول حادثة فتح قلعة شاليم التي شيدها البرتغاليون على أيدي جنود السامر ملك مليبار آنذاك. والقصيدة طويلة جدا تحتوي على 537 بيتا. واختار الشاعر فيها الوزن الطويل.