Friday , 29 March 2024 KTM College
Literature

دراسة نقدية في روايات إدوار الخراط

30-September-2021
محمد أرشد علي
باحث الدكتواره- جامعة جوهرلال نهرو، نيو دلهي

 تحتل الرواية مكانًا بارزًا بين فنون الأدب، ونالت مرتبة أولى بين جميع الأنواع الأدبية في العصر الراهن، يعتبرها البعض ملحمة العصر الحديث، والبعض الآخر مثل جابر عصفور يطلق عليها "ديوان العرب" لشمولها شتى جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية كذلك. وبالتالي حققت تقدمًا باهرًا في العقود الأخيرة من القرن المنصرم وأصبحت جنسًا أدبيًا راقيًا استغرقت مكانة مرموقة في المجتمع كما أنها تكاد تحل محلّ الفلسفة في تبيين المبادئ الفلسفية والفكرية وترافق الفنون الجميلة، وتتداخل معها أحيانًا، وروايات إدوار الخراط نموذج لهذه الرؤية الشاملة للرواية العربية حيث استقطبت الجمهور من القارئين والناقدين على الصعيدين المحلي والعالمي.
توحي الدراسات العابرة لأعمال الخراط إلى أنه لبنة ذهبية في تاريخ مصر في القرن المنصرم، الذي سجل مآثره في صفحات التاريخ المشرق في الحقول الأدبية الإبداعية، والترجمة، والنقد، والشعر، ومن خلال أعماله المتنوعة تناول شتى القضايا الاجتماعية والسياسية والأدبية وحاول معالجتها بشكل علمي ومنطقي بغية التوصل إلى الحلول السلمية المثمرة الإيجابية. يعتبر إدوار الخراط من أكثر الروائيين العرب شهرة على الصعيدين الوطني والدولي، ورواياته في الذروة من حيث البنية والمضمون، غير أنه قلما يتناول الباحثون أعماله وعلى رأسها الروائية للبحث والدراسة، ربما يعود السبب إلى كونه حديث العصر، أو أسلوبه غير المعتاد العائق في الفهم بالسهولة، ومن هنا قرر الباحث أن يخوض في هذه المغامرة البحثية ليكشف عن عالم الخراط الروائي، ويعرّفه ويعرّف أعماله بين القارئ العالمي.
وهذا البحث المعنون بــ "دراسة نقدية في روايات إدوار الخراط" يهدف إلى إبراز حياة إدوار الخراط وأعماله الأدبية، ومجهوداته العلمية والأدبية، وأعمال الخراط الروائية ودراسة نقدية في بعض رواياته المختارة وتحليلها"، يركز أصلا على أعمال الخراط الروائية بجولة متأنية في عالمه الروائي، وتعريفات يسيرة لرواياته، ثم وقف الباحث وقفات غير قصيرة لدى ثلاث روايات للخراط لدراستها النقدية؛ وهي رواية "رامة والتنين"، و"الزمن الآخر"، و"يقين العطش".

حياة ومولد ونشأة الخراط، وتكوينه الثقافي والسياسي

ولد إدوار الخراط في السادس عشر(16) من شهر مارس عام 1926م بالإسكندرية بمصر، لعائلة قبطية أصلها من الصعيد، لأب من أخميم في صعيد مصر وأم من الطرانة غرب دلتا النيل. اشتهر الكاتب بهذا الاسم غير أن اسمه الحقيقي "إدوار قلته فلتس يوسف" والذي لم يشتهر به.

التحصيل العلمي والتكوين الثقافي

إنه التحق بكلية الحقوق بالجامعة الإسكندرية بعد ما اجتاز المراحل الثانوية المدرسية عام 1946م، وحصل منها على ليسانس في الحقوق من الجامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى عاصمة القاهرة. بدأ يعمل منذ أيام دراسته بسبب وفاة أبيه ليكون معيلا له ولعائلته منذ عام 1943م، كما انضم إلى الحركات الوطنية، فقد شارك في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946م ومن ثم تم اعتقاله في 15 مارس عام 1948م وظل في السجن لمدة سنتين في معتقلي أبوقير والطور. وبعد أن استقر له الأمر تزوج عام 1957م وأنجب له ولدان. ثم تدرج في المهنة الوظيفية وعمل في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية – الآسيوية عام 1959م ثم في منظمة اتحاد الكتّاب الإفريقيين – الآسيويين وبقي في العمل حتى عام 1983م وفي هذه الفترات الحاسمة في تاريخ مصر السياسية والثقافية والاقتصادية أشرف على تحرير مطبوعات سياسية وثقفافية. ولهذه الأغراض سافر إلى معظم البلدان من شتى القارات؛ إفريقيا، وآسيا، وأروبا وأميركا. وبالتالي شارك في إصدار مجلة "لوتس" للأدب الإفريقي – الآسيوي وفي تحريرها، كما قام به في مجلة غاليري 68، وله جهود مضنية وجهود مثمرة في إخراج مطبوعات كل من منظمة التضامن الإفريقي – الآسيوي، واتحاد الكتّاب الإفريقيين – الآسيويين. وبه أضاف الخراط اسمه في قائمة المثقفين المصريين الذين تحولوا من مجال الحقوق والمهنة الوظيفية إلى اللغة والأدب مثل الآخرين، حيث تحول العديدون إلى الكتابة والإبداع الأدبي والشعري مع أنهم تثقفوا في المجالات الأخرى، مثل يوسف إدريس.
غادر الروائي إدوار الخراط هذا العالم صباح الثلاثاء الأول من شهر ديسمبر عام 2015م، متأثرًا بمتاعبه الصدرية، عن عمر يناهض 89 عاما.

لمحات عن أعمال الخراط غير الروائية

اشتهر إدوار الخراط بشتى أعماله إذ برز على الساحة الأدبية كشاعر، وفنان تشكيلي، ومترجم، وناقد، وروائي، وقاص؛ فقد كان رجل متعدد الفكر، وذو مواهب إبداعية مختلفة. إن كتابات الخراط تتراوح فيما بين النقد، والرواية، والقصة القصيرة، والترجمة، والسينما، والمسرحية. وتتميز كتاباته بفضاءها الرحيب. وأعمال الخراط المذكورة تشبهه بروحها المصرية القبطية العربية، وتشبه المجتمع المصري العربي بفضاء حكاياتها المنسوجة من سقف أحلام المجتمع وكوابيسه، ورغبة الشعب المصري في أوطان عادلة وحرة، كما أنها تحرض الشعب على أن يكون كما يحب ويشتهي، لا كما يريد لهم الآخرون. إنها كتابات تنفر من الثنائيات المغلقة والنمطية، تبحث عن حلول بديلة لها في فضاء السرد، وفي ظلّ حراك دائم التغير بين حريتين تتصارعان من أجل حرية واحدة؛ هي حرية الحب، والجسد، والروح، والعقل والوطن، والفن.. وهي حرية يتنفس فيها النص هواءه وغباره بمحبة خالصة، حيث تذوب كل الفواصل والعقد السميكة للزمن في العناصر والأشياء، في الكتابة وشطحات الرؤى والفكر والخيال بشكل عفوي. إن كتاباته تتميز بقدرة مبهرة على التأمل والوصف والنفاذ فيما وراء الأشياء والوقائع؛ فالوصف الباذخ الشيق في أعماله لايقوم فقط بدور وسيط لتوثيق عناصر ومفردات الحياة وتحويلها إلى المقومات السردية، وإنما هو شكل من أشكال اللعب مع الأسلوب والمضمون، وهذه الأشكال تتواجد في جُلّ أعماله الروائية والقصصية مثلا "ترابها زعفران"، و"رامة والتنين"، و"يقين العطش"، و"السكة الحديد"، فيه يشم القارئ والدارس بروح الحاضر رائحة الماضي في كثير من الأنماط من وأوصاف المكان، وعناصر البيئة وما تنطوي عليه من الأعراف، والعادات، والطقوس الاجتماعية والدينية التي تومض وتفوح في النص، المكتسبة من خلاله حيوات جديدة. تتراوح أعمال الخراط فيما بين القصص، والروايات، والشعر، والدراسات النقدية، والمقالات، والترجمات الأدبية، فهي تبلغ أكثر من 50 كتابًا قصصيًا أو شعريًا أو نقديًا، وأول ما قام به من الكتابة الأدبية هي "القصة"، وأولى مجموعته القصصية "حيطان عالية" أخرجها عام 1959م، ثم تلاها قصص أخرى، ومن حيث المجموع أنه أخرج ما يلي من المجموعات القصصية:
- حيطان عالية (1959)، مجموعة قصصية.
- ساعات الكبرياء (1972) مجموعة قصصية.
- اختناقات العشق والصباح (1983) مجموعة قصصية.
- أمواج الليالي (متتالية قصصية، عام 1991م)
- عمل نبيل (مختارات قصصية)
- مضارب الأهواء، 2003م مجموعة قصصية.

أعمال الخراط النقدية

أعمال الخراط النقدية تضم الدراسات والمقالات النقدية التي كتبها ونشرها الخراط في المجلات أو أخرجها في شكل الكتب المطبوعة. وهي كالتالي:
- مختارات من القصة القصيرة في السبعينات: مع دراسة، هذا الكتاب يدرس القصة العربية القصيرة المكتوبة في الفترة المشار إليها هنا، وهو من مطبوعات القاهرة، تم نشره عام 1982م.
- علي: رزق الله: مائيات 86: دراسة، طبعت من القاهرة، عام 1986م.
- مائيات صغيرة: دراسة، هذا أيضًا دراسة طبعت من القاهرة، عام 1989م.
- أحمد مرسي: دراسة ومختارات شعرية، طبعت من القاهرة، عام 1990م، تدرس بعض الانتاجات الشعرية.
- الحساسية الجديدة: مقالات في الظاهرة القصصية، كتاب من نوع فريد حاول الكاتب من خلاله التعريف عن اتجاه جديد في القص العربي، طبع من دار الآداب، عام 1993م.
- من الصمت إلى التمرد: دراسات في الأدب العالمي، هذه من ناصية الكتابات النقدية اعتنت بنشرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالقاهرة، عام 1994م.
- الكتابة عبر النوعية: دراسة، تعالج الامتزاج الشعري بالنثر الروائي، طبعت من دار شرقيات، بالقاهرة، عام 1994م.
- عصيان الحلم: مختارات ودراسات في الشعر؛ يدرس هذا الكتاب بعض المختارات الشعرية بالمنظور النقدي، اعتنى بطباعته المجمع الثقافي، أبو ظبي، بالإمارات العربية المتحدة، عام 1995م.
- أنشودة للكثافة: في الفن والثقافة، طبعت من المستقبل العربي، بالقاهرة، عام 1995م.
- مهاجمة المستحيل: سيرة ذاتية للكتابة، طبعت من دار المدى، بدمشق، 1996م.
- مراودة المستحيل: حوار مع الذات والآخرين، طبعت من دار أزمنة، بعمان، عام 1997م.
- أحمد مرسي شاعر تشكيلي، يبحث عن الشاعر المحبوب المثالي لدى الخراط، هذه الدراسة طبعت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالقاهرة، عام 1997م.
- ماوراء الواقع: في الظاهرة اللاواقعية، تعالج نظرية الواقعية الخراطية ما بعد الواقعية الماركسية أو واقعية نجيب محفوظ، طبعت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالقاهرة، عام 1998م.


جولة في أعمال الخراط الروائية ودراسة نقدية في بعض رواياته المختارة وتحليلها

تعتبر أرض مصر خصبة للغاية بالنسبة للعقل العربي وإنجاب عمالقة الأدب العربي منذ عتيق الزمان، فقد شهدت هذه البلاد من الأدباء والشعراء والنقاد والمترجمين الذين طار صيتهم وفاقت شهرتهم الزمان والمكان. ومن خصائص هذه البقعة أنها توارثت هذا العقل العربي الرصين على التوالي وبوجه خاص في القرون الماضية، وربما لاتكون من المبالغة لو قلنا إن النهضة العربية الشاملة العامة انطلقت من هذه الأرض وبفضل أبناءها. إنه كاتب كرس حياته للأدب القصصي والروائي والمسرحي، وترك بصمة هامة في تطور الأدب الروائي في الأسلوب الجديد، وأنه برع في فن القصة القصيرة والرواية معًا، وكان من أوائل الكتاب المصريين الذين اهتم بهم العالم الخارجي، حيث تمت ترجمة أعماله على أيدي الكثير من معاصريه ومن تبعهم.
أشار الناقد إيهاب الملاح إلى أن الخراط أخرج 16 رواية، ومن رواياته ما اعتبرت حدثًا أدبيًا كبيرًا ونالت تقريظًا نقديًا. والعدد الكلي لرواياته كالتالي:
رامة والتنين (1979م)، والزمن الآخر (1985م)، ومحطة السكة الحديد (1985م)، وأضلاع الصحراء (1987م)، وبنات إسكندرية (1990)، ومخلوقات الأشواق الطائرة (1990م)، وحجارة بوبيلو (1993م)، واختراقات الهوى والتهلكة (1993م)، ورقرقة الأحلام الملحية (1994م)، أبنية متطايرة (1996م)، حريق الأخيلة (1996م)، ويقين العطش (1996م)، وصخور السماء(2001م)، وطريق النسر(2002م)، وترابها زعفران: نصوص اسكندرانية (1985)، والغجرية ويوسف المخزنجي(2004م).
ولايفوتنا أن نشير إلى أنه اختلف النقاد في تصنيف أعمال الخراط، وتواجه أعمال بقضية التجنيس، واستطاع الباحث تحديد أعمال الخراط الروائية بعد قراءة متأنية في أدبه القصصي والروائي، وتلخص إلى أن رواياته تبلغ نحو 16 رواية.
 

دراسات نقدية في روايات الخراط المختارة وتحليلها

وفي هذا المبحث نقوم بدراسة نقدية لبعض روايات الخراط على سبيل النموذج، وتحليلها على متسوى المضمون والأسلوب، وقد وقع اختيار الباحث على ثلاث روايات الخراط وهي: رواية "رامة والتنين"، و"الزمن الآخر"، و"يقين العطش"، والتي اشتهرت بمجموعها بثلاثية الخراط، نظرًا إلى قيمتها التعبيرية والمضمونية وشهرتها الفائقة وترجماتها إلى اللغات العالمية الحية.

رواية "رامة والتنين"
 

هذه الرواية نشرت عام 1980م في بيروت ونقدت حالَ صدورها، ثم أُعيد طبعها عدة مرات من شتى البلدان في مصر، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة، كما نقلتها فريال غزول وجون فيرلاندن إلى الإنجليزية ونشرتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة هذه الترجمة عام 2002م.
يعرض إدوار الخراط في هذه الرواية مخاوف النفس البشرية وما يكمن بداخلها من صراعات، فيفجر مكامن النفس داعيا في روايته لتحريرها من كل القيود الزائفة التي يضعها الواقع حولها.
وأصلًا هذه رواية من ثلاثية الخراط التي استغرقت فيها مدة نحو ثمانية أعوام وتتكون من ثلاث روايات:
الأول: رواية "رامة والتنين"، وهي التي نحن بصدد البحث عنها حاليًا
الثاني: رواية "الزمن الآخر"
الثالث: رواية "يقين العطش"

سوف نبحث عن هاتين الروايتين لاحقًا. ويقدم الجزء الأول من هذه الثلاثية حكاية عشق تستمر في الأجزاء الثلاثة، ويغطي الجزء الأول أحداثًا من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وفي الجزء الثاني أي في رواية "الزمن الآخر" نتابع حكاية العاشقَيْن على خلفية العقد التالي، من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، في حينٍ يُكمل الجزء الثالث (يقين العطش) قصة العشق المحورية في العقد الذي يبدأ في منتصف الثمانينيات ليصل إلى منتصف التسعينيات.
إن الرواية الأولى من هذه الثلاثية "رامة والتنين" تدور حول تجربة الحب الضائع التي يعيشها مثقف مصري قبطي، والرواية تحكي لنا قصة حبّ ميخائيل بطل الرواية لرامة. ويعود الخراط في هذه الرواية لكي يدفعها إلى امتدادات جديدة، متوائمة مع نوع وعيه ومع ما طلبه بطلبه من حبيبته، ومع ما تصوره عن الحبيبة التي كانت تصبح معادلة للعالم: رمزًا لملكوت الإنسان الذي أراده ميخائيل لنفسه، ثم أصبحت – حين خانته – جحيم عاشقها الذي لم يمقته أبدًا. (خشبة، سامي، رواية رامة والتنين مأساة مصرية" مجلة الفصول، المجلد الأول، 1981م، العدد 2، ص 242،)
إن شخصية البطلة الرامة كانت هي الفتاة، أو العذراء، أو الأميرة أو الحسناء التي ينقذها البطل ذات اسم مصاغ، وهي مشحونة بالأنوثة دلالةً وشكلًا، وأن الرواية تدور بشكل رئيسي حول شخصية رامة؛ المرأة المعشوقة. ولدى تحليل هذه الرواية نريد بعض الوقوف لدى بعض الجوانب البارزة لها من ناحية الموضوع، والفن على النحو التالي:
 

الجوانب البارزة الموضوعية

ومن حيث المجموع تدور أحداث الرواية حول ثلاث شخصيات؛ المعشوقة والعاشق، والوحش أو الأميرة، والفارس والتنين؛ ومن خلال تحليل الرواية من الناحية المضمونية قد يمكننا تفسير هذه الشخصيات إلى شتى المعاني والدلالات المضمونية والخطابية؛ فيمكن أن تمثل أشياء مختلفة؛ فالتنين يمكن أن يكون رمز الشر أو الفوضى أو الموت أو السلطة أو الأب أو الآخر أو العدو أو القُوى الجهنمية. وبناءً على هذا تصبح الأسطورة الروائية صراع التغلب على الحاجز من أجل التحقق والتوحد والتكامل، وبالجملة تبحث هذه الرواية عن معاني العشق الصوفي الجنسي الممتزج بصور الشهوات، والحب الشبقي، والجنس، والمناقشات الجدلية في الحياة والسياسة والحب بين ميخائيل ورامة.
 

واقعية الرواية

وقد سبقت الإشارة إلى واقعية الخراط، والتي تختلف عن الواقعية السائدة المتواجدة في الكتابات الروائية للأدباء والكتاب المصريين المعاصرين آنذاك الوقت؛ إذ سادت الواقعية النقدية، والواقعية الاشتراكية في فترة انتاج هذه الرواية. وقد أطلق مصطلح الواقعية النقدية على الواقعية البرجوازية ذات البعد التقدمي، في حين تصور الواقعية الاشتراكية الصراع الطبقي ذا الأبعاد الماركسية محرِّكًا أساسًا للتاريخ والعلاقات.( Georg Luckacs, Realism in Our Time (New York: Harper Row, 1971), pp.93-135.)
وبالإضافة إلى الواقعية النقدية والاشتراكية ساد نوع آخر من الواقعية خاصة في أمريكا اللاتينية وهي الواقعية السحرية أو الواقعية الخيالية وهي تجمع بين عناصر واقعية وعناصر سريالية.( فريال جبوري غزول، الريادة في الرواية: ثلاثية الخراط، ص 41.)
الحداثة
خاضت الرواية العربية مثل الروايات الأخرى في تجربة الحداثة وتقنياتها، بالإضافة إلى تقنيات مابعد الحداثة. والحداثة حركة فنية وأدبية ذات أسلوب مميز يتجه إلى "التجويد، والتأنق والانكفاء على الذات (تأمل الذات) والاستعراض الفني وتشكك الإنسان في ذاته، ولكن ما لبثت الحداثة أن أصبحت حركة فكرية وثقافية عامة لها صداها في الفلسفة والعلوم الاجتماعية إلى جانب الفن والأدب ولها منظورها الفكري الخاص الذي يتميز بالعديد من الأفكار كالعقلانية والعلمانية والموضوعية وغيرها. في حين تقول موسوعة "مابعد الحداثة" بأن الحداثة هي "المسمى الذي يطلق على الفترة الأدبية والتاريخية والفلسفية التي تمتمد تقريباً من عام 1890م حتى 1950م التي تتميز بالاعتقاد في وحدة الخبرة والتجربة وهيمنة العموميات (الكليات) والمعنى المحدد للمسميات". (David Clippinger, Modernism. In: Victor E. Taylor & Charles E. Winquist, Encyclopedia of Postmodernism, London: Routledge, 2001, P. 251.)
وفي روايات الخراط قام الروائي بتجربة شاملة للحداثة، وهي تعرف بــــ الحداثة الملحمية. ليس للرواية الحديثة شكل أو قالب واحد، فإن تميزت بسمة ما فهي غياب التسلسل التقليدي، وأكثر الروايات تقوم بانتهاك بنية التتابع السردي أو تخفيه متأثرة ببنية الحلم أو الذاكرة.
وقد وجد الباحث هذه الرواية صعبة ومركبة ونوعًا من السرد الذاتي الذي كتبه الروائي بلغة شعرية رقيقة، والرواية تشبه مشاهد متقطّعة تختلط فيها الأزمنة وأصوات الرواة، وهي مزيجة من واقعية ممزوجة بحوار الذات، والفسلفة، والوجدانية، والفلسفة المملة. وقد أفرط الروائي في الوصف والذي طالما لايتسق مع الموضوع، فيتيه القارئ ويفقد المتعة بعض الأحيان، وبالإضافة إلى ذلك أكثر في التكرار والإسهاب الطويل دون مبرر، بدون فواصل وتكاد الرواية على طولها ممتلئة السطور، ومن ثم نرى انتقادات صارمة ضده على موقع غد ريدس (Goodreads) حيث شكى العديد من القراء بإصابة الملل خلال قراءة هذه الرواية، والغموض، والإسهاب، والإفراط في الوصف، والتعمد في التكرار.

رواية "الزمن الآخر"

هذه من إحدى روايات الخراط الشهيرة، التي صدرت للمرة الأولى عن دار شهدي للطبع والنشر، بالزمالك، مصر، عام 1985م، واستغرقت في كتابتها نحو سنة كاملة كما يشير إليه التاريخ المذكور في نهاية الرواية وهي: القاهرة 9 أكتوبر 1983 – 3 أغسطس 1984م، يعني هذا، أن الرواية صُدرت بعد سنة من كتابتها. وتقع في 380 صفحة من القطع المتوسط.
وهذه الرواية تعتبر امتدادًا لرواية الخراط الأولى "رامة والتنين"؛ فهي وجه آخر لرواية الكاتب الأولى "رامة والتنين" فالرواية توظف تقنيات الزمن للولوج في البحث عن الجو الأسطوري والكائنات الخرافية وطقوس خارقة من التنين، وأوزيريس، و عشتروت، والعزّى والفينيق، ورع، والرخ، ونرسيس، وحتحور، وثور بابل المجنح وغيرها من الدلالات الأسطورية وبه أعطى الروائي روايته بُعدًا فلسفيًا ظاهرًا ففيها كل هذه المناقشات عن الوجود والخلود. (فريال جبوري غزول، "ريادة الرواية – ثلاثية الخراط" ص 87.)
وقد أسهب الروائي في الوصف الذي أدى إلى طول غير ضروري، وبالرغم من غناء الرواية بمصطلحات جديدة وفصيحة في السياق اللغوي يتجرعها القارئ ولايكاد يسيغها.
 

رواية "يقين العطش"

هذه آخر حلقة من ثلاثية الخراط الروائية. صدرت طبعتها الأولى عام 1996م عن دار شرقيات للنشر والتوزيع، بالقاهرة، في حينٍ انتهى الروائي بكتابتها قبل عام في 9 سبتمبر 1995م، وعلى هذه الشاكلة استغرقت في كتابة الثلاثية ثمانية أعوام. واستغرقت فيها نحو 310 صفحة بما فيه تسعة فصول.
وهي رواية تكمل مسيرة "رامة والتنين" و "الزمن الآخر"، ترصد الكثير من المشاعر الإنسانية المتناقضة والصراع الدائم بينهم. وهي رواية تتضمن الوقوف بصلابة، والشهوات العارمة، والعشق المقيم، والتطلع إلى المستقبل رغم الهزائم والطعنات التى تصيب جسد الوطن وأجساد الأبطال معًا. وتقوم الرواية على خلفية الأحداث الدامية التي تهدد وحدة الوطن وهويته بالتصدع ولكنها لا تكسرها أبدًا، تدور الرواية بما تحمل من شجن، وتمردٍ، وتأملاتٍ، وتسجم استمرارية الحب، والعقل، والتنوير، وأسئلة العطش إلى اليقين في مواجهة العنف الأعمى، وحق التعصب، وظلام الردة الحضارة.
عالج الخراط هذه المضامين بمنظور فلسفي، وتبلورت أفكاره المدونة فيها من خلال رؤيته لواقعة مصرية بكل تقاطعاته وأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، حيث يرى الخراط أن الحياة ثباتها يكمن في قدرتها على التغير، بشتات الضعف والقوة معًا، ليس بدافع الهيمنة، وإنما بدافع الرغبة في التطلع إلى الأفضل.
هذه الرواية تكمل قصة الثلاثية الخراطية وتغطي فترة منذ منتصف الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات، ويقين العطش تتمثل الثابت في المتغيرات واستمرارية الجمر تحت الرماد، ويقين الاشتعال؛ فلاعجب أن تكون أنشودة حبٍّ لجسد مصر المطعون، تسعى إلى التئام جروحه والشفاء من أوجاعه، ومن هنا جاءت الرواية لتعالج القضية الوطنية والحنين إلى الوطن. وعلى هذا إن الرواية تشبه بروحها المصرية القبطية العربية، وتشبه الشعب المصري بفضاء حكاياتها المنسوجة من سقف أحلامه وكوابيسه، ورغبته في أوطان عادلة وحرة، كما أنها تحرضه على أن يكون الشعب كما يحب ويشتهي، لا كما يريد له الآخرون.



المصادر والمراجع:

1. إدوار الخراط يابنات إسكندرية، دار الأداب، بيروت، 1990م.
2. الخراط رحيل صاحب "الزمن الآخر"، مقال وجيز منشور على موقع الجزيرة الثقافية (موسوعة الجزيرة – فضاء من المعرفة الرقمية)، من خلال الرابط (https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2015/12/1/)، ومصدره: الجزيرة ، رويترز.
3. إدوار الخراط، رامة والتنين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1980م.
4. خشبة، سامي، رواية رامة والتنين مأساة مصرية" مجلة الفصول، المجلد الأول، 1981م، العدد 2.
5. Georg Luckacs, Realism in Our Time (New York: Harper Row, 1971), pp.93-135.
6. فريال جبوري غزول، الريادة في الرواية: ثلاثية الخراط،
7. دكتورة مروة صلاح الدين عبدالله ، علم اجتماع ما بعد الحداثة: رؤى نظرية ومقاربات منهجية .
8. David Clippinger, Modernism. In: Victor E. Taylor & Charles E. Winquist, Encyclopedia of Postmodernism, London: Routledge, 2001, P. 251.
9. دكتورة مروة صلاح الدين عبدالله ، علم اجتماع ما بعد الحداثة: رؤى نظرية ومقاربات منهجية ،.
10. إدوار الخراط، رواية "الزمن الآخر"، دار شهدي للطبع والنشر، الزمالك، الطبعة الأولى، 1995م.