Tuesday , 10 December 2024 KTM College
Literature

بلاغة الخبر في القرآن الكريم والشعر

24-April-2020
أ. د خلدون سعيد صبح
قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، ومحرر مشارك لمجلة

 تعريف الخبر: كلام يحتمل الصدق أو الكذب، لأنه يحتاج إلى واقع يطابقه.
أغراض الخبر:
1- فائدة الخبر: هو إفادة المخاطب حكم الخبر أو مضمونه، والمخاطب هنا يجهل الخبر، كقول ابن مالك في ألفيته
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كـ: استقم واسم وفعل ثم حرف الكلم
2- لازم الفائدة: المتكلم يعرف الخبر ذاته فيكون في ذلك تثبيت أو تذكير أو تأكيد.
كأن أقول للعاق يضرب أباه: هذا أبوك، فأنا لم أقدم له جديداً ولم أفده حكماً يجهله فهو يعرف أنه أبوه.
ويلحق بالغرض الثاني أغراض أخرى تفهم من خلال سياق الكلام فيها، منها:
1- الوعظ: كما في قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت)
2- إظهار الحسرة: كقول الحارث
قومي هم قتلوا أميم أخي فإن رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً ولئن سطوت لأوهنن عظمي
3- إظهار الضعف: كما في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام ( ربّ إنّي لما أنزلت إليَّ من خير لفقير)
4- الفخر: كقول حسان بن ثابت:
أولئك قومي فإن تسألي كرام إذا الضيف يوما ألم
يواسون جارهم في الغنى ويحمون مولاهم إن ظلم
5- المدح: كقول المتنبي لسيف الدولة:
طلبتهم على الأمواه حتى تخوف أن تفتَشه السحاب
6- الرثاء: كقول الخنساء في أخيها
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكلّ مغيب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
7- الهجاء: كقول جرير في الأخطل:
إنّ الذي حرم المكارم تغلبا جعل النبوة والخلافة فينا  

أضرب الخبر(أنواع) :
1- ابتدائي : وهو الخالي من المؤكدات ، فمخاطبة خالي الذهن تقتضي إلقاء الخبر إليه مجردا من التوكيد.
السيف أصدق أنباء من الكتب، ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا)
2- طلبي: ويكون بمؤكد واحد، فمخاطبه من تقرأ في عينيه شكا أو ترددا تقتضي أن يتحلى الخبر الملقى إليه بإحدى أدوات التوكيد.
إن السيف أصدق أنباء من الكتب، (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)
3- انكاري: ويكون عند مخاطبة المنكر أو المكذب أو المعتقد عكس ما تقول تقتضي أن يؤكد الخبر الملقى إليه بأكثر من مؤكد، ويكون التوكيد بمقدار درجة الإنكار عند المخاطب.
والله إن السيف لأصدق أنباء من الكتب، (إن الساعة لآتية لا ريب فيها)
مؤكدات الخبر:
التوكيد: تمكين الشيء وتثبيته في النفس لإزالة ما قد يعتريها من شكّ في تصديق الخبر.
أدوات التوكيد:
1- إنَّ: وهي أهم هذه الأدوات، كقول أبي نواس:
عليك باليأس من الناس إنّ غنى نفسك في اليأس
وتحتفظ إنّ بمعنى التوكيد بعد دخول ما الكافة عليها، كقول الرسول صل الله عليه وسلم: إنّما الأعمال بالنيات...

2- لام الابتداء:
وهي اللام المفتوحة التي تدخل في الأصل على المبتدأ، تتصل بالمبتدأ كما في قوله تعالى: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم).
- وتتصل باسم إنّ المؤخر ، كقوله تعالى: (إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
- وبخبر إنّ، والنحاة يسمونها في هذه الحالة اللام المزحلقة، لأنها زحلقت إلى الخبر كراهية اجتماع مؤكدين في صدر الكلام هما إنّ واللام، مثال ذلك قوله تعالى: (إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون)
- وقد تتصل بالفعل (لبئس ما كانوا يفعلون)
- وقد تتصل ب قد ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

3- نونا التوكيد:
الثقيلة والخفيفة ، وقد اجتمتعا في قوله تعالى (ليسجننّ وليكوناً من الصاغرين)

4- ضمير الفصل: وهو الضمير الذي يتوسط أحياناً بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر، ليدل على أن مابعده خبر لا صفة كما في قوله تعالى (أولئك هم المفلحون)، فلولا الضمير (هم) لأمكن أن يكون (المفلحون) صفة لـ أولئك لا خبرا لها، والمقصود بالآية أن يكون خبرا.
وكذلك قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)

5- القسم:
- بالواو: (والشمس وضحاها)
- بالتاء:( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا)
- بالباء: ( فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا)

6- أمّا:
بالفتح والتشديد، (فأمّا الذين آمنوا فيعلمون أنّه الحق من ربهم)

7- قد:
وهي للتحقيق تسبق الماضي، ( قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)

8- الحروف الزائدة:
وهي زائدة من حيث الإعراب لكنها من صميم العبارة العربية لأنها في أكثر الأحيان تؤدي معنى التوكيد، وهي:
1- الباء:
- الواقعة في خبر ليس ( أليس الله بأحكم الحاكمين)
- في خبر ما العاملة عمل ليس ( وما ربك بظلام للعبيد)
- في الفاعل: ( كفى بالله حسيبا)
- في المفعول: (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة)

2- من الجارة بعد النفي والاستفهام: (وما من إله إلا الله) ،( هل من خالق غير الله).
3- إن الواقعة بعد (ما )، كقول الشاعر:
وما إن ندمت على سكوتي مرة ولقد ندمت على الكلام مرارا
4- أن الواقعة بعد (لما) الظرفية ( ولما أن جاءت رسلنا لوطا)
5- لا: (وما منعك ألا تسجد)
6- ما:
- ( فبما رحمة من الله لنت لهم)
- بعد إذا الشرطية:
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
وثمة أدوات تؤدي معنى التوكيد في الخبر كالسيف وسوف في المضارع الذي يحمل معنى الوعد: ( سيجعل الله بعد عسر يسراً)
أو الوعيد: (سأرهقه صعودا)
_ ولن الناصبة التى تؤكد النفي: (لن تنالوا البر حتى تنفقعوا مما تحبون)
_وحروف التنبيه: ألا وأما
(ألا له الخلق والأمر)
أما والذي لا يعلم الغيب غيره ويحيي العظام البيض وهي رميم
تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:
المتكلم قد يسلك في الكلام مسالك أخرى فيؤكد الخبر الموجّه إلى غير المنكروغير المتردد، ويجرد من التوكيد الخير الذي يوجهه إلى المنكر والمتشكك، فيجري كلامه على خلاف مقتضى الظاهر، وفي أيضا مراعاة لحال المخاطب.
وهو ما يسميه علماء البلاغة << تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر>>
مثال ذلك قول الله تعالى مخاطبا كفار قريش وهم منكرون وحدانية الله عز وجل (وإلهكم إله واحد) ، قال ابن عباس : قالت كفار قريش : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص وهذه الآية ، وكان للمشركين ثلاثمئة وستون صنما فبين الله أنه واحد ، ولم يحتج هذا الكلام إلى توكيد لأن البراهين كلها تثبت وحدانية الله عز وجل.
نقول : نزل المنكرون منزلة غير المنكرين فلم يؤكد الخبر.
وتأمل قوله تعالى( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعا) ، والمخاطب هنا قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة وخافوا ألا يتقبل منهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية ، فهم لا ينكرون الغفران لأنهم مؤمنون ، وإنما نزلوا منزلة المتردد المتسائل : هل يغفر الله لنا ؟ فحسن التوكيد(إن الله يغفر)
وقد يؤكد الخبر لشرف مضمونه وزيادة تقويته دون أن يكون ثمة إنكار أو تردد كما في قول رسول الله صل الله عليه وسلم في حجة الوداع: أيها الناس ، إن ربكم واحد إن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب.
ومن خروج الكلام عن مقتضى الظاهر مما لا يتعلق بالخبر وحده الصيغ الآتية:
- الخبر الذي معناه إنشاء:
كما في قوله تعالى ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا) ، (لا تعبدون) ظاهره خبر ومعناه النهي أي لا تعبدوا.
وكما في قوله تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين) ، فـ (يرضعن) ظاهره خبر ومعناه أمر أي ليرضع الوالدات أولادهن.
ويتبع ذلك معنى الدعاء كقول يوسف عليه السلام لإخوته (قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ، أي اللهم اغفر لهم، وإنما صاغها خبرا إمعانا بطلب المغفرة وحرصا عليها.
- الإنشاء الذي معناه خبر:
كما في قوله تعالى ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، وأقيموا ظاهره إنشاء ومعناه خبر والمراد: وإقامة وجوهكم، فذكرها بصيغة الإنشاء إشعارا بالعناية بأمر الصلاة لعظيم خطرها وجليل قدرها.
قال تعالى (قال إني أشهد الله و اشهدوا أنّي بريء مِّمَّا تشركون) فـ واشهدوا ظاهره إنشاء ومعناه خبر، وهود عليه السلام لم يقل: وأشهدكم، تحاشيا لمساواة شهادتهم بشهادة الله عز وجل.
- الالتفات: وهو العدول بالكلام من صيغة إلى أخرى.
ووجه حسن الالتفات أن الكلام إذا انتقل من اسلوب إاى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنفس السامع وتجديدا لحسه وأكثر إيقاظا لإصغائه من إجرائه على أسلوب واحد.
الالتفات من التكلم إلى الخطاب: (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) . والمعنى أرجع لكنه قصد الخطاب فقال ترجعون.
من التكلم إلى الغيبيه: (إنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربك وانحر) والظاهر يقتضي فصلّ لنا.
من الخطاب إلى الغيبية : (ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول). والظاهر يقتضي واستغفرت، لكن في ذكر الفاعل هنا(الرسول) تفخيم لشأن الرسول وتعظيما لاستغفاره.
من الخطاب إلى التكلم:
طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
يكلّفني ليلى وقد شط وليها وعادت عواد بيننا وخطوب
والظاهر يقتضي يكلفك.
من الغيبية إلى الخطاب: كقول جرير
متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام
- وضع الضمير موضع الظاهر :
(قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله....)، فالضمير في نزله للقرآن ولم يتقدم ما يعود عليه هذا الضمير ، وكان الظاهر يقتضي ذكر أوصافه دون اسمع الصريح، لفخامة شأنه.
- وضع الظاهر موضع المضمر: وذلك إذا قصد التعظيم كما في قوله تعالى: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) ، والظاهر يقتضي إنه كان مشهودا.
أو إذا قصد التصفير والإهانة كقوله تعالى ( إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)
- التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي: وهذا يحسن عندما يكون معنى الفعل من الأمور الهائلة العظيمة التي تدّب الخوف في النفوس كما في قوله تعالى ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض) ولم يقل فيفزع ذلك لأن الفزع عند النفخ في الصور محقق لا شك فيه.
- التعبير عن الماضي بلفظ المستقبل: وهو يحسن إذا كان المراد استحضار صورة الماضي في الذهن، كما في قوله تعالى (إنّي أرى في المنام أني أذبحك) ولم يقل رأيت علما أن رؤية الحلم كانت قبل زمن التكلم، لكن عدل إلى المضارع لاستحضار صورة الرؤيا التي لا تفارق خياله.
- وضع المفرد موضع المثنى: ويحسن عندما يكون الاثنان متلازمين يتصل أحدهما بالآخر أشد اتصال، كما في قوله تعالى ( عن اليمين وعن الشمال قعيد) هما قعيدان.
- وضع المفرد موضع الجمع: (إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) والمراد ضيوفي، والبلاغة هنا جعل الجمع كنفس واحدة لشدة تماسكها واتصالها.
- وضع المثنى موضع الجمع: (بل يداه مبسوطتان) ونعم الله أكثر من أن تحصى.
- وضع الجمع موضع المفرد: ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) والمراد بالناس محمد عليه الصلاة والسلام.
- وضع الجمع موضع المثنى: كما في قوله تعالى ( قال كلا فاذهبا بآياتنا إنّا معكم مستمعون) والظاهر يقتضي معكما.