Tuesday , 10 December 2024 KTM College
Literature

سعود السنعوسي غرة الأدب الكويتي في العصر الحديث: دراسة عن قضيا إنسانية وقضية الهوية على ضوء عمله

24-April-2020
فيروز الدين. في
الأستاذ المساعد كلية كي تي يم للدراسات المتقدمة، كرووفاراكند، ملابرام، كيرالا)

 سعود السنعوسي المولود عام 1981م، صاحب رواية "ساقو البامبو"، الحائز على الجائزة العالمية للرواية عام 2013م، شاب متميز طار بمواهبه الممتازة من دولة الكويت إلى عالم الصيت والشهرة.. يتجلى كعضو رابطة الأدباء في الكويت ورابطة الصحفيين الكويتيين. وقد حصل من قبل على المركز الأول في مسابقة القصص القصيرة التي أجرتها ’مجلة العربي‘ الكويتية بالتعاون مع إذاعة بي بي سي العربية. رأت روايته الأولى النور بعنوان "سجين المرايا" عام 2010م وحُظيت أن تفوز بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة. فروايته الأخرى "فئران أمي حصة" والتي تناولت موضوع الطائفية في الكويت أثارت الجدل ورفعت الضج والضجيج حتى منعها الجهاز الرقابي في الكويت. وترك في الحقل الأدبي أعمالا أخرى مثل رواية "حمام الدار" عام 2017م ورواية قصيرة "ناقة صالحة" عام 2019م والمسرحية الغنائية "مذكرات بحار" عام 2019م. السنعوسي ضحى نفسه ونفيسه من أجل كمالية الأعمال الأدبية في شكله الأجمل حتى قضى مدة طويلة تمتد إلى خمس سنوات في الفيليبين لدراسة نمط الحياة والاعتقادات حين أراد أن يكتب رواية "ساقو البامبو". فروايته هذه تطرح سؤال الهوية وتطرقت إلى مفهومها من عمقه كما تطرقت بجرأة إلى قضية العمالة الأجنبية في الخليج العربي وتحديدا الكويت ومدى امتزاج بطل الرواية بين نظامين مجتمعين مختلفين. تمتاز بمحكمة البناء والقوة والعمق من جانب ومن ميزاتها الفنية ومحتواها الاجتماعي والإنساني في جانب آخر.  

القضية الإنسانية والاجتماعية في الرواية:
يمرّ القارئ في رواية "ساقو البامبو" على مراحل مختلفة تعبرها الحياة الإنسانية في الحياة الواقعية. ليس عيسى بطل الرواية فقط بل أمها وأسرته أيضا يواجهون القضايا الإنسانية والاجتماعية. كانت والدة بطل الرواية فتاة حالمة تحب أن تواصل الدراسة وتحصل على وظيفة محترمة ولم تحلم في يوم ما أن تصير خادمة في أي مكان. ولكن ساقت الظروف أن تقطع الدراسة وتترك الآمال وراءها وترتحل إلى الكويت. يقول البطل "جاءت والدتي للعمل هنا، في منزل من أصبحت بعد زمن جدتي، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تاركة وراءها دراستها، وعائلتها.. والدها، وأختها ............يعقدون آمالهم على جوزافين، والدتي، لتضمن لهم حياة ليس بالضرورة أن تكون كريمة..بل حياة وحسب، بعد أن ضاقت بهم السبل". ويقول المؤلف في لسان أم عيسى آمالها التي خيطتها "لم أتخيل قط بأنني سأعمل خادمة في يوم ما." "كانت فتاة حالمة. تطمح لأن تنتهي دراستها لتعمل في وظيفة محترمة. "ولكن انتهى الحظ بها أن ينتهي في أن تنجب ابنا مجهولا هويته فيظهر المبدع الشاب السنعوسي سخطه ضد استعمال الفتيات كأوراق تُنبذ بعد الاستعمال فيقول "تتحول الفتيات هناك إلى مناديل ورقية يتخمط بها الرجال الغرباء يرمونها أرضا......يرحلون...ثم تنبت في تلك المناديل كائنات مجهولة الآباء." ". ويشير الكاتب إلى أزمة مالية تعيش عليها الأمهات في الفليبين واظطررن لبيع أجسادهنّ مقابلة ثمن بخيس لكي يتلاقى طرفي حياتهنّ بل وأسرتهنّ أيضا "لم أكن الوحيد في الفلبين الذي ولد من أب كويتي، فأبناء الفلبينيات من آباء كويتيين خليجيين وعرب وغيرهم كثر. أولئك الذين عملت أمهاتهم خادمات في بيوتكم، أو من عبثت أمهاتهم مع سياح جاؤوا من بلدانكم بحثا عن لذة بثمن بخس لا يقدمها سوى جسد أنهكه الجوع. هناك من يمارس الرذيلة لإشباع معدته! والثمن، في حالات كثيرة، أبناء بلا آباء".


قضية الهوية:
ناس بلا أوطان ومن ثم ليس بإنسان، ليس له أوكار ليستند رأسه،... قضية حارة يواجهها الإنسان بكل ارتعاش وارتعاد. أَوَ مِنْ خيولنا أن نخيل امرأ ليس له وطن أن يثبت قدميه فيه؟!!. أو من خيولنا ناسا طردوا من بلدانهم فتركوا ما لهم وراءهم يضربون في الأرض هنا وهناك؟؟. نعم، هناك أشخاص بل ملايين على وجه هذا الأرض بدون كل هذا. أشخاص بلا هوية!!!. تتركز ركيزة "ساقو البامبو" على هذا المحور الهام ببالغ الاهتمام. يرمز السنعوسي إلى قضية هوية البطل من مستهل السطور حيث يقول "اسمي Jose" هكذا يُكتب. ننطقه في الفليبين، كما في الإنكليزية، هوزيه. وفي العربية يصبح، كما في الإسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يُكتب. ولكنه يُنطق جوزيه. أما هنا، في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو....عيسى!". ويرى القارئ البطل متحيرا في تغير اسمه من بلد إلى بلد ولا يعرف لماذا وكيف وقع هذا الاختلاف الشديد. يقول "أنا لم أختر اسمي لأعرف السبب. كل ما أعرفه أن العالم كله قد اتفق على أن يختلف عليه!". فاللاثبات في الهوية لا ينطوي في الإسم فقط بل يتجاوز في ثبوت وإثبات ذات نفسه. يتزايد قلقه على هذا الصدد في السطور المتواصلة. وواجه استهزاء لا يطيق على احتماله من قبل شبان كويتين حين كانوا يجلسون في منتجع بمقربة من شاطئ وترفض الرواية تفريق الإنسان بالاعتبار بالدول واللون والقبيلة والثقافة واللغة وتحقق أهمية تحقيق حقوق الإنسان الضرورية والنظر إليه مثل مواطن عالمي كما تدرس كي تحترم التعددية الثقافية واللغوية ويعيش عيشة راضية متمسكا بالوحدة والوئام. يقول الكاتب "لو كنت مثل شجرة البامبو...لا انتماء لها.. نقتطع جزء من ساقها.. نغرسه، بلا جذور، في أي أرض.. لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد..في أرض جديدة..بلا ماض..بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته..كاوايان في الفليبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخر..أمصير نبتة البامبو ينتظرني؟".
يخرج المؤلف في أواخر السطور من أزمة الهوية المزدوجة إلى عالم التحرر فيحقق التوازن النفسي الذي فقد له من خلال تنقله من بين الفليبين والكويت. وللوصول إلى هدفه المنشود يبذل قصارى الجهود وناضل الرأس بـ’عواطف‘ و’نورية‘ أقرباء أبيه، الراشد، الكويتي. فكلما يحاول عيسى لإثبات هويته الكويتية فكلما تقول نورية "أنت..ابن الزنا". يصف الكاتب هذه الحالة الكئيبة يعيشها عيسى بقوله "تيار كهربائي مرّ بسرعة البرق عبر عمودي (عيسى) الفقري مستقرا في رأسي". يكابد عيسى مرارا وتكرارا لتحقيق هويته ويخرج من حقيبه صورة ويعرضها عليهما قائلا "أنا ابن هذا الرجل....أنا عيسى راشد الطاروف" فترده عواطف مبررة رأيها "راشد ليس أبيك... لا يحق لك الانتساب إليه أو حمل اسمه". وعاتبته تغييرا اسمه "ابن الزنا ينسب لأمه.." وتقول نورية متداخلة "على ذلك...أنت...عيسى جوزافين". فهذه السطور توضح للقارئ ما واجه عيسى من المضيقات النفسية والمشاعر الحزينة لأنه بالرغم من أنه ولد لأب كريم كويتي يسمع من أقربائه انتساب ولادته إلى الزنا، يا ويلاه!!. فعيسى لا تضعف قوته ولا يفشل أمامهما بل يخرج شهادة زواج راشد وجوزافين ولكن عواطف ونورية ترأيان "إن كنت ابن راشد قانونا، فإنك لست كذلك شرعا" فهذه حالات تجرح القلوب وتسيل الدم، شخص يحاول أن يثبت هويته بناء على مستندات وتقارير رسمية ولكن يردها ’الموظفون‘ بالقيل والقال. فعيسى وصل من الفليبين إلى الكويت لا ليرجع بأيد فارغة ولكن لإثبات ذاتيته فيخرج من الحقيبة شهادة أخرى قائلا وملوّحا لعواطف بشهادة الزواج الممهورة بتوقيعي وليد وغسان "حملت بي أمي قبل تحرير هذه الورقة بأشهر عدة"...ويعطيها الشهادة التي أخرجها ثانيا ويقول "وبعد تحرير تلك الورقة بأيام قليلة". ارتابت عواطف ونورية "ما هذه الورقة" ورأياها أنها"ورقة لما تسمونه زواجا عرفيا" في تلك الحالة وبعد تحقيقها انفجرت بكاء ومسحت وجهها بجزء من عباءتها وتعترف بهويته "أنت كويتي....أنت ابن أخي..ابن راشد".
فهذه الرواية "ساقو البامبو" تلقي الضوء على قضايا إنسانية واجتماعية حارة ومن مقدمها قضية الهوية. تكتشف الرواية من البداية إلى النهاية أنه ولد من أب كويتي وأم فيليبينية ولكن لا تعترف بها وكالات الحكومة الكويتية حين ينزل عيسى في مطار كويت، بيد أنه يحمل شهادات محكمة ومحققة يضطر أن يحاول كثيرا ويعاني عديدا لإثبات هويته وذاته حتى أمام أقربائه. "ساقو البامبو" يوضح أمام العالم ليس من وسع الإنسان أن يعيش على وجه هذه الأرض بلا وطن يعترف به ولا أناس يعترفون به...قضية الهوية..قضية لا مثيل لها في العالم..