Friday , 19 April 2024 KTM College
Literature

تاريخ أدب المهجر

17-July-2019
الدكتور محمد أسلم

 المهجر إسم يطلق على المواطن التي هاجر إليها اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون وبعض العرب الآخرين إلى القارة الأمريكية شمالها وجنوبها ووسطها. واجتمعوا فيها فيسمونها "المهاجر" وهذه الحواضر التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وازدهرت في النصف الأول من القرن العشرين. "والأدب المهجري أدب مهموس [كما يسميه الناقد الدكتور محمد مندور] لأنه عميق وواقعي ومرتبط بالحياة وليس فيه الخطابية والسطحية الثقافية". و"الأدب المهموس هو أدب المناجاة والحديث القريب إلى أذنك وقلبك وليس من الأدب الخطابي الرنان المجلجل" .وهم شعراء عرب الذين نظموا أشعارهم وألفوا كتاباتهم من البلاد الجديدة. ويطلق اسم شعراء المهجر عادة على نخبة من أهل الشام وخاصة اللبنانيين المثقفين اللذين هاجروا إلى الأمريكا الشمالية أي الولايات المتحدة والأمريكا الجنوبية وعلى الخصوص البرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا في ما بين 1870م وحتى أواسط 1900م.
وبدايته بعد الهجرة الأولى من سوريا ولبنان. ثم توالت قوافل المهاجرين تاركين أوطانهم ورحلوا بحثا عن حرية أوسع وهربا من ظلم الحاكم أو إستبداد الملك. لكن الوطن لم يرحل من نفوسهم بل ظهر كجماعات وأدب وشعر ليرسم صورة الوطن البعيد ويجسد شوقهم إلى هذه الأوطان، ومع هجرتهم هجر الأدب العربي موطنه ليحط في أمريكا الجنوبية والشمالية وأوربا، فظهر أدب منفى ومغترب وجد فيه الأديب وطنه. وكانوا يبحثون عن مورد الرزق يكفل لهم العيش الرغيد، والحياة الكريمة الآمنة المطمئنة بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في بلادهم، وبث فيها المستعمرون الذل والخوف والإضطهاد، وسلب الخيرات ومصادرة الأموال.
ولكن حينما وصلوا إلى مهاجرهم لم تكن الأرض أمامهم مفروشة بالذهب ولا بالحرير، بل كانت مفروشة بالأشواك والحجارة، ولكنهم في سبيل الكفاح، والإصرار على البقاء والظفر بحياة تحملوا في صبر وثبات شظف العيش، وقسوة الحياة، والعمل الشاق المرهق، حتى استطاعوا نيل ما يريدون أو بعض ما يريدون.
فكان منهم التجار، والأغنياء، وذوو المناصب والمراتب. وكانت الظروف مهيأة أمامهم ليندمجوا في المجتمع الجديد، وتبتلعهم أمواجه وتياراته، كما ابتلعت غيرهم من قوافل المهاجرين من أقطار شتى. ولكنهم كانوا من صنف آخر، كانوا يحملون في نفوسهم مواهب أدبية كثيرة، "كانوا أنفسهم المحررين والناشرين في منثوراتهم، ورغم ذلك وجدوا في العالم الجديد أكثر حرة وسكينة". ونفهم من تاريخ المهجر أن معظم المهاجرين جاءوا إلى عالم جديد وهم على موهبة حقيقة صقلتها التجربة االجديدة الشاقة. وأمدتها بأفكار وموضوعات لم يألفوها من قبل. "ويكفي أن نذكر أن بعضهم على الأقل كان قد نشرفي وطنه كتابا أو كتابين مثلما حدث مع إيليا أبو ماضي الذي نشر ديوانه الأول في الإسكندرية عام 1911م أوميشال مغربي الذي نشر ديوانه الأول أيضا في حمص عام 1922م"
ونقل ديب شاهني في مقالته "قراءة أولى في الأدب المهجري" قول حنا عبود وقال "سنسلم بأن أدب المهجر هو بضاعتنا التي ردت إلينا، ونسأل: لو كانت هذه البضاعة ليست بضاعتنا فهل كنا نطلق عليها إسم المهجر ؟ بضاعات كثيرة تأتي إلينا من وراء البحار وكلها تتحدث عنا نحن، إنكليزية، إسبانيا، برتغالية، فرنسية... وتاريخها، أدبنا، شعرنا... كله تجده ومع ذلك لا نجرؤ على أن نقول أن هذا الأدب هو أدب المهجر. شرط الأدب المهجري أن يكون أدب لغة وأدب قضية".
لقد بلغ عدد المهاجرين بين عامي 1889إلي 1919 نحو ستين ألفا. ويروي محمد كرد علي أنه زار مرة قرية لبنان فلم يجد فيه إلا الشيوخ والمسنات والأطفال. وجميع هؤلاء كانوا ينتظرون البريد أواخر كل شهر للحصول على الحوالات المالية التي أرسلها المهاجرون آباء كانوا أو أبناء".وعاد مجموعة من شعراء المهجر إلى أوطانهم مثل ميخا ئيل نعيمة والشاعر القروي وغيرهم.
وكان أول مهاجر عربي هو ‘أنطون التشعلاني اللبناني’ الذي هاجر عام 1854م إلى أمريكا الشمالية. ومات بعد سنتين من هجرته. أما أول أديب هاجر إلى الأرض الجديدة فكان ‘ميخائيل رستم والد أسعد رستم".
من المعروف أن الشعر العربي مر بمراحل عديدة، فنجد فيها مثلا مرحلة الشعر الجاهلي ثم الإسلامي بمراحله المختلفة والشعر الأندلسي والشعر المهجري.. إلخ. بدأ النهضة في الشعر العربي شعراء مصر يقودهم محمود سامي البارودي. وحين نفتح سجل الشعر العربي الحديث يتضح لنا من النظرة الأولى أن شعراء المهجر لعبوا دورا أساسيا في النهضة الشعرية التي عرفها العالم العربي مطلع القرن العشرين، بل إنهم كانوا رموز هذه النهضة وصانعيها وباعثيها. ومن دون أي تشكك وتردد يمكن القول إنهم كانوا مجددين حقيقيين، نفضوا عن اللغة العربية غبار الماضي وأتاحوا للشعر العربي الإنفتاح على التجارب الأدبية الريادية، خصوصا الغربية كما قال شوقي ضيف في كتابه كانوا يحاولون التجديد.
ومن أهم العوامل التي أثرت في أدب المهجر هي: المزاح الشرقي وما يكونه من عادات ونظرة إلى الحياة، والحنين والشوق إلى الوطن الأم، واطلاعهم الواسع على التراث العربي، وتأثرهم بالأوطان الجديدة وغيرها. "فجمعوا بذلك بين ثقافتين: الثقافة العربية التي هاجروا بها، والثقافة الغربية التي تأثروابها".
وتجري أقسام أدب المهجر إلى قسمين: الأول: أدباء المهجر الشمالي.. وهم الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة ومناطق أخرى من أمريكا الشمالية وتمسي مجموعة الرابطة القلمية. ومنها: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إيليا أبوماضي، نسيب عريضة، رشيد أيوب، إلياس عبدالله، وديع باموط، وليم كاتسليف، ندرة حداد، عبدالمسيح حداد. والثاني: أدباء المهجر الجنوبي.. وهم الذين هاجروا إلى أمريكا الجنوبية كالبرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا. وهم ما يطلق عليهم العصبة الأندلسية. ومنها: ميشال نعمان معلوف، فوزي المعلوف، القروي رشيد سليم الخوري، شفيق المعلوف، إلياس فرحات، إسكندر كرباح، توفيق قربان، جرجس كرم، شكرالله الجر، عقل الجر، مهدي سكافي، نظير زيتون. وهناك قسم آخر من الأدباء المهاجرين، ولكن لم تنالهم الشهرة لتفرقهم في مواطن هجرة غير معروفة كاستراليا وأوروبا وأفريقا وبعض الدول العربية.
لقد ضرب أدباء المهجر الشمالي في أكثر الفنون الأدبية وجاؤوا فيها بأفانين عجاب، لقد نظموا الشعر فتفوقوا فيه وأبدعوا في نظمه وانتقاء موضوعاته وقوالبه وكتبوا نثرا عاطفيا وتصويريا واجتماعيا فكان نثرهم شعرا رائعا ساحرا.. وأما أدب المهجر الجنوبي فقد اقتصر أشهر ما ذاع منه على الشعردون النثر. نجد الشعر القومي والوجداني والأسطوري والإجتماعي.
كان الأدب المهجري في بدايات القرن العشرين في الأمريكا، فإن المهجر الجديد يكون في أوروبا والعراق. وهناك إختلافات كثيرة بين المهجر القديم والجديد. فالمهاجرون في السابق لا يعرفون لغات المجتمعات الجديدة ولا يفهمون الحضارات الغربية، وأما اليوم فالمهاجرون الذين يعيشون في أوروبا يستطيعون قراءة الجرائد اليومية العربية عبر الإنترنت أو الصحف الورقية التي تتصل إلى أماكن متعددة من العالم. فالمهجر الجديد أسهل بكثير من المهجر القديم من هذه النواحي. ورغم ذلك أن العزلة قد تكون شديدة بسبب الحنين اليومي الجرح النازف كل لحظة نتيجة معايشه أخبار الوطن عن بعد.
بدأ المهاجرون في المهجر الأمريكي الشمالي والجنوبي بتأسيس مدارس عربية كعادتهم أينما وصلوا لتعليم أولادهم، ثم بتكوين جمعيات دينية وخيرية. تتولى المعاونة لكل محتاج إليها وخاصة إلى ميدان الخير. وقد نشأوا كذلك جمعيات أدبية، وكانت لبعضها شهرة عظيمة فيما بعد، وأثر كبير في الأدب المعاصر.
ومن أهم هذه الجمعيات الأدبية والحركات، الأول: الرابطة القلمية، هي جمعية أدبية عربية أسسها جماعة من الأدباء المهاجرين في أمريكا أحدثت تغييرا في الكتابة الأدبية على صعيدي الشكل والمضمون. بدأت الفكرة عن جمعية جديدة 1916 م في نيويورك على يد نخبة من الأدباء. والثاني: العصبة الأندلسية، نشأت في المهجر الأمريكي الجنوبي وهي إحدى حلقات العرب، تألفت في مدينة سان باولو في البرازيل في مطلع يناير1933 من الكتاب والأدباء العرب في تلك البلاد.