Thursday , 25 April 2024 KTM College
Literature

ملامح المقاومة في شعر أبي القاسم الشابي

12-November-2018
حسينة.أم.كى

المقاومة هي الثبات والدفاع عن النفس والحياة، وهو ينقسم إلى قسمين: قسم دفاعي وقائي يحافظ على كيان المجموعة ويعلي قيم الشجاعة و الفروسية وقسم هجومي، تتطلبه القضايا التي تطفو على السطح سواء كانت حضارية أو طبقية أو ثقافية كالمحافظة على الكيان اللغوي للمجموعة. يمكن القول إن نسبة كبيرة من الأدب العالمي ينطبق عليها مصطلح أدب المقاومة و هو ليس أدب الحرب فقط (تجربة الاحتلال/ تجربة الأسْرِ/ تجربة العودة/ تجربة المنفى/ تجربة الموت و القتل) بل هو الأدب الناقد للواقع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الفكري بصيغة جمالية و يكون هدفه البحث عن الخلاص الجماعي من قبل الكاتب أو الشاعر . ويمكن القول بأن الشعر الذي يحتوي على هذه الأفكار فهو شعر المقاومة ، وكذلك يمكن اعتبار أدب المقاومة أدبا قديما يعود إلى أولى الأدبيات الانسانية ونجد لذلك صدًى في شعر الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم ومن شعرائها في العصر الحديث محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وأمل دنقل وغيرهم .
فالشعر المقاومة ركن عظيم من أركان الأدب العربي الحديث ، ومن أوسع الأبواب الشعرية التي يدور الشعراء في رحابها . لاشك أنه يعد نوعا من التصدي لكل أشكال الإستعمار والإستبداد ، فيكون الشاعر المقاوم داعيا إلى التحرر والإستقلال وملتزما بقضايا مجتمعه . و يجمع بين مصيره ومصير أمته ويتحمل السجن والإضطهاد ليقوم في وجه أعداء شعبه . فإنه يريد الحرية والإستقلال لشعبه ويرفض الاحتلال ويعتز بوطنه ويحن إليه ويعبرعن رفضه للواقع المرير الذي يعانيه الشعب ويدعو إلى النضال من أجل العدل والإستقرار.
عندما ندرس عن الشعر التونسي المعاصر نفهم أن أبا القاسم الشابي من أكبر الشعراء المقاومين ، بحيث كان شديد الإيمان بحرية الإختيار ومسؤولا أمام مجتمعه الذي ينتمي إليه ، مسايرا شعبه وأبناء قومه ، مقاوما للظلم والطغيان ، مناصرا ضد الظالم ، متغنيا بأمجاد شعبه ورافضا المصالحة مع الواقع الإجتماعي الذي يعيشه شعبه .ومن هذا المنطلق يعتبره من أولئك المقاومين الذين تمثلت معالم المقاومة في شعرهم .
حياة الشابي وثقافته : ولد أبو القاسم الشابي في الرابع والعشرين عام 1909م في بلدة " الشابية " من ضواحي توزر في تونس .كان والده محمد القاسم من خريجي الأزهر الشريف .ذهب إلى العاصمة التونسية سنة 1920للدراسة في جامعة الزيتونة وهو في الثانية عشرة من عمره ، وقد نضج ذوقه سريعا وقال الشعر مبكرا ، درس النحو والصرف والبيان والأدب على الأساليب القديمة ، ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية وحصل على شهادة الحقوق . تزوج قبل أن ينهي دراسته العالية ، مات والده عام 1929. عاش حياة مليئة الاضطرابات حيث اعتراه الحزن والأسى بعد وفاة أبيه ، وفي نفس الوقت أصيب الشاعر بمرض القلب بيد أنه في ريعان شبابه ولم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره . قد تثقف ثقافة عربية واسعة ، وكذلك قد ألم بأطراف مختلفة من الثقافات الأدبية الغربية عن طريق الترجمة وعن طريق الكتاب وأدباء العرب في مصر ولبنان وغيرها .علم كل الحقائق المريرة تحت الاحتلال وعبر عنها ، وأدرك الظلام الذي شاء الاستعمار أن ينشر أطنابه على البلاد ونظم فيها . وافته المنية وهو في شبابه سنة 1934م.
ملامح المقاومة في شعر أبي القاسم الشابي :
إن أهم محاور المقاومة في شعر الشابي تتمثل في شعره الوطني ونضاله للإستعمار والتزامه القومي . تغنى أبو القاسم الشابي بحب وطنه ، وجهر بأنه من جنوده الذين يبذلون دماءهم القيمة في الدفاع عنه ، ونادى بما ينبغي أن يكون على المواطن من الصفات ، وندد بالخائن المارق وأنذره بما سيلقي من وخامة العاقبة وسوء المنقلب. ومن قوله :
أين يا شعب قلبك الخافق الحساس أين الطموح والأحلام ؟
أين يا شعب روحك الشاعر الفنان أين الخيال والإلهام ؟
أين يا شعب فنك الساحر الخلاق أين الرسوم الأنغام؟
تعتبر هذه القصيدة الرائعة نقطة إنطلاق في تجديد وطنية الشاعرالشابي، لأنها تتمحور على خطوط عريضة واضحة تدل على مدى إحساسه بضرورة البعث والتطور، وتشير إلى الأهداف التي يريدها لمجتمعه ، وهي تحكي عن أسباب الضعف التي كان يرزح الشعب تحت عبئها ونواحي القوة التي يتطلع إليها الرواد من الشباب . إن الوطنية شعور ذاتي يرضخ الإنسان بموجبه إلى دوافع نفسية ومنازع ذاتية ، والشعور الوطني عند الشابي حاد يصل إلى الذوبان والإنصهار في الرمز الوطني الأوفى " لفظ تونس " ، فتقوم بين الشاعر ورمز عاطفته علاقات من الحب والإخلاص ثم النضال والفداء .
يقول الشاعر في قصيدته" تونس الجميلة ":
لست أبكي لعسف ليل طويل أو لربع غدا العفاء مراحه
إنما عبرتي لخطب ثقيل قد عرانا ولو نجد من أزاحه
كلما قام في البلاد خطيب موقظ شعبه يريد صلاحه
ألبسوا روحه قميص اضطهاد فاتك شائك يرد جماحه
في هذه القصيدة شبه الشاعر المستعمر الذي بقي زمنا طويلا في أرضه بالليل العسف ، وتمثل علاقة الشاعر بتونس مثلا أعلى للإنتماء الوطني ، كثيرا ما يعبر عن مشاعره الوطنية بلغة صادقة وبلسان الجماهير العربية في مناسباتها المؤلمة ، فيجدون فيه العزاء والسلوان ،وأنه يخاطبهم من داخلهم فهو واحد منهم.
والشابي من أولئك الشعراء المعاصرين الذين أدركوا الشعر الجديد برسالته الجديدة ، فهو يتخذ الشعر أداة لتحذير الأمة نحو محاولة للتغيير ، ويرى أن الوطنية الصحيحة هي التي تعترف بالعيوب في صراحة تامة كخطوة لازمة نحو محاولة علاجها . إن ما نراه في وطنياته هو حنين مسبوب ووجد صادق وعاطفة محتدمة وخيال ساحروتغن بجمال موطنه وشعور عميق ولوعة صارخة عميقة ونغمات فيها عنف ورقة وإضطرام وإثارة .
ومن أبرز سمات وطنيات الشابي تحسره على الوضع السائد للوطن والتزامه لمعالجة مشاكل مواطنيه ، وإنه يحاول من خلال أشعاره الوطنية أن يلعب دورا فاعلا وأن يكون داعيا لحركة إصلاحية تجاه أبناء شعبه . وإن وطنياته تعبر عن نوع من قلق اجتماعي سببه الفصل الطبقي بين المواطنين وكذلك الفقر والضعف والظلام والجهل الذي أصيبوا به . فالشابي يبحث عن وطن مثالي لأبناء شعبه بعيدا عن المعاناة والقيود الطبقية. ولذلك إن الدفاع عن الوطن بكافة المستويات يعتبر من أسمى ملامح المقاومة للشاعر.
وقد عرف الشابي أن بيئته مريضة يسيطر عليها الجهل والفقر والإستعمار فراح يعمل على إيقاظ الضمائر ويعالج مجتمعه ويدعوه إلى النهوض. اتخذ الشاعر من الإستعمار موقف العداوة الصريحة ونبّه إلى ألاعيبه واستنهض همم الناس وأثار حقدهم وحذّر الشعب منهم ، وهو يقول :
لا ينهض الشعب إلا حين يدفعه عزم الحياة ، إذا ما استيقظت فيه
والحب يخترق الغبراء مندفعا إلى السماء ، إذا هبت تناديه
والقيد يألفه الأموات ، ما لبثوا أما الحياة فيبليها وتبليه
لم يقف إحساس الشابي الدقيق بالألم عند نفسه ، بل تعداها إلى أمته إذ وجدها تزرح تحت كابوس الإستعمار الفرنسي ، وتستشعر منه ألما مريرا ، فقد أذلها الفرنسيون وحولوا حياتها إلى جحيم . إن الشاعر أفنى روحه للتغني بالحياة وإيقاظ الأرواح الخامدة ولم يسع وراء منصب حكومي أو كسب شخصي . يعكس شعره الأوضاع السياسية التي كنت سائدة في تونس ، وهي آنذاك خاضعة للإنتداب الفرنسي منذ سنة 1881م ، وكانت تعاني كباقي الدول العربية وتخضع لحالة من التخلف ، يشرح الشابي هذه الأحوال في ديوانه " أغاني الحياة " .
تأثر الشاعربما يسود وطنه من جمود وانحطاط وما يحيط ببلاده من فقر وجهل ومرض فسخظ على عيشه وتشاءم بحياته تشاؤما مبعثه الإصلاح . فإنه يتوجه بقصائده إلى أبناء بلده لكي يغيروا الواقع ويستميتوا في سبيل الحصول على الحرية، وهو يقول :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانفه شوق الحياة تبخّر في جوها واندثر
فويل لمن لم تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر
كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر
إن هذه القصيدة " إرادة الشعب " صرخة في وجه الإستعمار والتسلط والعبودية وصيحة مدوية تعلن أن الشعب لا تهقر .
ومن الجدير بالذكر أن في ديوان الشابي حوالي عشر قصائد حول الكفاح ونضال المستعمر ، وإن اهتمام الشاعر بهذا النوع من الشعر يدل على أنه يريد مجتمعا قليل الاختلاف والفصل ليغير الوضع الراهن ، إنه أدرك أن الاستعمار لا يفكر إلا في نهب الشعب التونسي واحتلاله ، وأن الفصل يتسم بالفوضى وتدهور الأوضاع الإجتماعية والسياسية لأبناء الشعب . فمن الممكن أن نسمى الشابي رائدا من رواد الحركة التحررية للشعب التونسي ، الذي حاول أن يبعث الحماس في قلوب أبناء شعبه لمواجهة الاستعمار الفرنسي ولتحرير الوطن من الإحتلال .
يؤمن أبو القاسم الشابي بأن الشعر ذو هدف اجتماعي يسمو به عن المصالح الشخصية ليصبح عاملا للتغيير والتطوير لدى الأمم وبموجب ذلك يصبح الشاعر مسؤولا إجتماعيا وقوميا يخدم المجتمع الذي يعيش فيه والأمة التي ينتمي إليها، وهو يقول:
يا قوم مالي أراكم قطنتم الجهل دارا
أضعتم مجد قوم شادوا الحياة فخارا
أبقوا سماء المعالي بما أضاؤوا منارا
حاكوا لكم ثوب عز خلعتموه احتقارا
يا ليت قومي أصاخوا لما أقول جهارا
هذه القصيدة مظهر لنشيد قومي عربي ، يتحدث الشاعرفيها عن بطولات قومه في غابر مجدهم وحاضر نضالهم .وفي الأبيات التالية يشير الشاعر إلى محنة قومه وهم محرومون من هناءة العيش في بلادهم المغتصبة .
يا قوم عيني شامت للجهل في الجو نارا
تتلو سحابا ركاما يتلو قتاما مثارا
تلفي الشديد صريعا تبقي الأديب جمارا
ونفهم من هذه الأبيات أن أبا القاسم الشابي هو مستقل وصاحب قومية تشمل فيها الوطن والإنسان والتراث وما يحتوي عليه من كرامة ، فإنه يتحدث نيابة عن المصابين من أبناء الأمة العربية ، كما يعبر عن منطق القوم وضميره بصدق وهو إن مات في ريعان شبابه ولكن شعره باق على ضمير الأمة . يؤكد الشاعر على التزام الشعربقضايا الإنسان العربي الذي تحاصره الأنظمة السياسية . وهو يتخذ الشعر سلاحا لمواجهة الطغاة الذين يقطعون لسان الشعب العربي ويغتصبون حريته . نراه يتحسر على ضياع كل شيئ حتى الشرف العربي الرفيع وإصابة الأمة بالهوان .
وتدفق المسكين ثائرا ماذا جنيت أنا فحق عقابي ؟
وسعادة الضعفاء جرم ،ما له عند القوي سوي أشد عقاب
وبالجملة عاش الشابي آلام مجتمعه وطموحات أمته بكل ما في بيئته من متناقضات وعبر عنها بشعوره الشفاف . وقد ورد قصائد كثيرة في ديوانه حول الشعر القومي ، ومن خلال أشعاره القومية يظهرأنه شاعر يعيش في قلب الأمة العربية ويدافعها عن الإستعمار.
المصادر والمراجع :
• الدكتور حمدى السكوت ،قاموس الأدب العربي الحديث، دار الشروق ، القاهرة .
• مدحت جبار ، الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي ،جار المعارف، الطبعة الثانية 1995م .
• محمد نبيل طريفي ،شرح ديوان أبي القاسم الشابي ، ،المطبعة العصرية ، بيروت ، ط 2002م .
• هانئ الخير ،أبو القاسم الشابي ( شاعر الحياة والخلود )، دار رسلان للطباعة والنشر ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2007م.