Friday , 19 April 2024 KTM College
Culture

العلاقات العربية الهندية قبل وبعد الإسلام

30-June-2022
السيد مجيب الرحمن بي
الأستاذ المساعد بكلية كى تي يم للدراسات المتقدمة، كروفاراكوند، كيرالا

 الهند مهد ثقافة عريقة لها ماض كبير وتاريخ عظيم والجزيرة العربية لها تاريخها ومزاياها. وقد لعبت العلاقات العربية الهندية أكبر دور في نشأة وتطور العلوم المختلفة والفنون المتنوعة وكانت التجارة ومجيء الدين الإسلامي نقطة وصل بين هذه الثورات والثروات في هذين الأرضين. وهذه الورقة ستعالج العلاقات العربية الهندية قبل وبعد الإسلام وأشكالها وأسبابها وطرقها بصورة موجزة.

العلاقات الهندية والعربية قبل الإسلام
ومن المعروف لدينا أن سواحل الهند الغربية والجنوبية كانت معروفة لدى العرب منذ أقدم العصور بسبب الروابط التجارية بين مواني هذه السواحل وبين السواحل العربية منذ قرون قبل فجر الإسلام فى مستهلّ القرن السابع الميلادي، والتجار العرب هم الذين لعبوا دورا قياديّا فى بدء هذه العلاقات وتوطيدها عبر القرون، فتجارة الهند البحرية ظلت فى أيدي العرب من عهد يوسف عليه السلام إلى أيّام اسكودي غاما ، وكان العرب يذهبون إلى دول شتى لأغراض تجارية ويسيرون من مدن مصر والشام على ساحل البحر الأحمر، برا إلى الحجاز ثم إلى اليمن وبعد ذلك كانوا يبدأون رحلتهم بالبواخر الشراعية وأن بعضا منهم كانوا يذهبون إلى إفريقيا وبعضا منهم يذهبون إلى ساحل بلوجستان فى تيز أو ميناء ديبل (كراتشي) عن طريق حضرموت وعمان والبحرين ، هذا وقد كان اليونان والرومان يأخذون زمام النشاط التجاري فى بحر العرب منذ العصور الأولى إلى القرن الثالث للميلادي مع أن التجار العرب أيضا كانوا يلعبون دورا فعّالا فى هذه التجارة منذ القدم وتجدر الإشارة هنا إلى أن العرب الأوائل المنحدرين من قبيلة قحطان قد طرد (العرب الحمر) الذين كانوا من أصل فينيقي من جزيرة العرب فى عام 1800 قبل الميلاد، ثم تم تأسيس حضرموت فى السواحل الجنوبية وهؤلاء العرب لعبوا دورالوكلاء للتجارة بين الهند ومصر ، ومما يدلّ على قدم العلاقات التجارية بين الهند والعرب أن السفن التجارية كانت تصل" أوفير" مرة فى كل ثلاث سنوات فى عهد سليمان وتحمل من هناك الذهب والفضة والمجهورات والبخور والعاج والقردة والطواويس وغيرها .
هذا وقد نالت فى تلك العصور السواحل الشرقية للبحر الأحمر فى شبه جزيرة العرب صيتا بعيدا للتجارة وكانت منها مواني "قنا" و "موشا" و "نطرا" وكذلك "الأبله" و "محمّرة" فى شط العرب بالخليج العربي، واشتهرت هذه المواني بتصدير الأقمشة والأحجار الثمينة والتمر والذهب إلى بعض الأسواق التجارية الشهيرة فى السواحل الهندية مثل "كراتشي" و "كرنغور" و "كورمندال" وكذلك كان التجّار العرب يصدرون خيرات الهند إلى اليمن ومنها إلى الشام وكانت السلع التجارية الهندية هذه الأموال تباع في أسواق مصر وأوربا ، وقد ألقى بعض العلماء الضوء على تأثير التجارة الهندية فى رخاء البلاد العربية الجنوبية قائلا: "يرجع رخاء البلاد العربية الجنوبية فى ذلك العصر_ عهد البطالسة_ إلى التجارة بين مصر والهند، إذ كانت المراكب القادمة من الهند ترسو هنا وتنقل حمولتها إلى السواحل الغربية، ثم تحوّلت التجارة عن هذا الطريق لأن البطالسة فتحوا طريقا مباشرا بين الإسكندرية والهند ، وكان الفينيقيون يتّجرون مع الهند والعرب كانوا يفدون إلى الهند قبل قدوم الإسكندر الأعظم بقرون عدّة، فطبقا للتوراة كان الإسرائيليون يتّجرون مع الهند فى عهدي داود وسليمان عليهما من الله السلام ، وكانت التجارة فى العهد القديم فى أيدي اليمنيين وكانوا هم العنصر الظاهر فيها، فعلى أيديهم كانت تنقل غلاّت حضرموت وظفار وواردات الهند إلى الشام ومصر . وذهب بعض الباحثين الهنود إلى أن مكة المكرمة كانت سوقا كبيرا فى ذلك الوقت للبضائع الهنديّة، ويرى البعض الأخر أن التجّار العرب كانوا يقدمون إلى السواحل الهندية منذ آلاف أعوام ويذهبون بالسلع الهندية إلى أوربا من خلال مصر والشام ثم يأتون بالسلع الأوروبيّة إلى الهند وما يجاورها من البلدان مثل الصين واليابان ، فإن العلاقات التجاريّة بين هذين العالمين كانت وطيدة في عهد قديم جدا فالصلات كانت وطيدة بين السند والعراق في أثناء العهود السوميرية (3000-2500 ق.م) والأكادية (2400-2100 ق.م) والبابلية (1800 ق.م)، واستمرت هذه الصلات إلى عصري الفينيقيين والإسكندر الأعظم ، وعلى الرغم من أن العلاقات السياسية بين الهند والعرب بدأت خلال القرن السابع للميلاد، فإن هذين العالمين الذين يختلفان جنسا ولغة، كانا مرتبطين بالتجارة منذ القرن السابع قبل الميلاد، وربما منذ العهد ما قبل التاريخ.
وامتدّت الأنشطة التجاريّة للعرب من مواني الخليج والسيراف والبصرة والأبلة، ثم العدن ومواني البحر الأحمر الأخرى إلى السرنديب (الهند) وما يجاورها من الدول وكذلك الصين، وكانت مكّة محطّا للقوافل الآتية من جنوب العرب تحمل بضائع الهند واليمن إلى الشام ومصر، فإن أصحابها كانوا ينزلون بها ويسقون من بئر شهيرة بها تسمى بئر زمزم ويأخذون منها حاجتهم من الماء هذا وأن التجار العرب كانوا يستوردون من السند الأرز والثياب والنارجيل، ومن المنصورة النعال والعاج والعقاقير.
وقد لعبت عوامل ثلاثة دورا أساسيّا فى إقامة هذه الصلات الوطيدة بين القطرين وهي الحياة الاجتماعية للأمة العربية والأسواق التجاريّة للبضائع الهنديّة القائمة فى مدن السواحل العربيّة والطرق البريّة والبحريّة التى كانت تربط بين شبه القارّة الهنديّة وبلاد العرب ، وكانت البصرة فى العراق ميناء كبيرا تصل إليه السفن التجاريّة الهنديّة، ولذا كان العرب يطلقون على هذا الميناء أحيانا "أرض الهند" وأخرى "فرج الهند" وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدّها شوكة، وكان صاحبه يحارب العرب فى البرّ والهند فى البحر .

العلاقات بين الهند والجزيرة العربية بعد الإسلام
وبدأت العلاقات الهنديّة والعربيّة تتوثّق من جديد منذ أن انبثق نور الإسلام في شبه القارّة الهنديّة فى القرن الأول للهجرة، والفضل في هذا أيضا يعود إلى التجّار العرب الذين لم يألوا جهدا فى نشر الإسلام والثقافة العربيّة الاسلاميّة فى سواحل الهند الغربيّة والجنوبيّة، وإلى جانب العلاقات التجاريّة المستمرّة منذ قرون، بدأت تنمو وتزدهر بين هذين العالمين العلاقات السياسيّة منذ القرن السابع الميلادي، فأوّل أسطول مسلم ظهر فى المياه الهنديّة فى عام 636 م في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه، وذلك لما أرسل والي البحرين وعمان جيشا من طريق البحر إلى تانا، ولما رجع الجيش الاسلامي من تانا تحت قيادة الحكم بن أبي العاص الثقفي، كتب إلى عمر رضي الله عنه ليعلمه بذلك، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: "يا أخا ثقيف حملت دودا على عود وإني أحلف بالله أن لو أصيبوا أخذت من قومك مثلهم". وكان ذلك فى عام 15 للهجرة وفى عهد عمر رضي الله عنه نفسه فتح المغيرة بن العاص ميناء ديبل . اكتشف طريق البحر إلى الهند فى عهد عمر وجمعت معلومات كثيرة عن الهند، وقد أفادت هذه المعلومات لفتح السند الذي قام به محمد بن قاسم الثقفي فى القرن الثامن . ويؤيّد هذا ما أشار إليه ياقوت الحموي:"والدليل من ناحية السند، مدينة على ساحل بحر الهند، ووجّه إليه عثمان بن أبي العاص ففتحه" . وفى عهد عثمان رضي الله عنه في عام 30 هـ فتح ربيع بن زياد الحارثي مناطق السند ومكث هناك بضع سنين وكان يصاحبه الإمام حسن البصري فى تلك المهمّة . وقد عيّن علي رضي الله عنه الحارث بن مرّة العبدي فى عام 38 هـ قائدا على الحدود الشرقيّة والذي وصل بجيشه إلى ممرقيقان (حاليّا فى بلوجستان) ووقعت هناك معركة ضاربة بين أهالي قيقان والجيش الإسلامي حيث أحرز الأخير انتصارا ، وأرسل معاوية رضي الله عنه مهلب بن أبي صفراء الأزدي في عام 44 هـ إلى السند فوصل إلى لاهور، وفى عام 48 هـ فتح سنان بن سلمة الهزلي رضي الله عنه مكران (فى باكستان حاليا) وقيقان فى عام 50 هـ . والحجاج بن يوسف الثقفي هو أوّل من فكّر في إلحاق السند بالدولة الاسلاميّة في أيّام وليد بن عبد الملك، وقد ولى الوليد أميرا على العراق والإيران ومكران وبلوجستان، فبعث الحجاج بعض قوّاده إلى هذه المنطقة، ولكنهم فشلوا فى مهمّتهم، وأخيرا بعث ابن أخيه الشاب الشهير بصلابته وشجاعته محمد بن قاسم الثقفي، ولم يبلغ عمره عشرين سنة إذ ذاك، ففتح السند وما يجاورها من المناطق في عام 92هـ وأنشأ هذا المجاهد المسلم دولة إسلاميّة فى هذه البقعة الخصبة ذات الثقافة القديمة العريقة ، واستمرّت العلاقات التجاريّة وتقدّمت تقدّما مزدهرا فى العصر الأموي حتى أصبحت سواحل مالابار ذات أهميّة اقتصاديّة للعرب، لإنّها كانت تمدّهم بما يلزمهم من خشب الساج الذي كان يستخدم فى بناء السفن. وتواصلت الصلات التجاريّة بين الهند والعرب حتى بلغت شأو الازدهار فى الخلافة العبّاسية.
وبالجملة أن علاقات العرب والهند كانت وطيدة شديدة وكانت حلقات تلك العلاقات مربوطة بالحبل الصلب الذي لا يقطعه أيّ شيء بل ما زال قويّة كما رأينا في السطور السابقة والكلمات المتقدّمة.
وطبعيّا فى هذا الموضع لا يزال يطرح سؤال فى قلبي وممكن يخطر به فى كل بال يتنبّه على هذا التاريخ، ماذا حصل الهند فوق تبادل البضائع والسلع من تلك الوفود العرب وأيّ فائدة أبقوا هنا فى هذا التراب البعيد عن مهبط النبوة والرسالة ؟
نعم هذا سؤال أجابه التاريخ وتاريخ الهند، وماذا فوق مجيء الاسلام وتلك الثقافة العالية السمحاء يبغى هذا البلد ؟! وأي نتيجة وفائدة توجد فى الأرض تساوي لهذه البضعة القيّمة التى تركوا لنا ولقدمائنا الهنود الذين كانوا يعيشون في الجهالة والقساوة ولم يذوقوا تلك الحلاوة الايمانيّة التى ذاق بها معاصروهم فى البلدان الاسلاميّة وغير الاسلاميّة فى تلك العصر. وكان مجيئ القوّات الغربيّة إلى الهند لمجرّد استغلال موارد البلاد حتى حملوا كلّ ما لدينا وشربوا حتى ثمالة ما لدينا وكل ما بنوا هنا من القناطير والسكك وسائر التسهيلات كانت لتصدير موارد البلاد ولتسهيل سرقاتهم من البضائع والمجهورات وما الى ذلك وفى وقت نفسه أن مجيء العرب أسهم لنا تراثا عظيما لولا ذلك لفات لنا التقدّم والتطوّر فى الحياة اجتماعيّا وسياسيّا وأخلاقيّا ، وبكل معنى كان مجيئهم ربحا عظيما وفائدة عظيمة وهذا أمر لا شك ولا جدل فيه.
وأن علاقة الهند مع العرب كما أشرت سابقا أهدت للهند تراثا وثقافة عليا وهذا أيضا قد تسبّب لمجيء وفود العلماء والمحدّثين كما جائوا غزاة تحت راية الاسلام في الجماعات التي أرسلتها الخلافات الاسلاميّة في أوقات مختلفة.