Tuesday , 08 October 2024 KTM College
Culture

عاموس عوز: المفسد الذي يحب السلام

24-June-2022
محمد آفاق عالم
باحث الدكتوراه، جامعة جوهرلال نهرو، نيو دلهي

 يعتبر عاموس عوز من أبرز الأدباء والروائيين الذين اتخذوا اللغة العبرية وسيلة للتعبير، ويتمتع بشعبية عالمية بسبب كتاباته عن قضية فلسطين، واقتراحاته للتوصل إلى حل لها وهو من أكبر مؤيدي سياسة الدولتين – العربية واليهودية – على الرغم من أنه يرى أن التفاوض بين الجانبين لا يمكن إلا إذا تخلى الجانب العربي عن جميع حقوقهم بما فيها حق تقرير المصير وحق الدفاع عن النفس، وذلك لأن الشعب اليهودي المختار أولى منه بأن يتمتع بتلك الامتيازات، أما الشعب العربي الفلسطيني، فليس لديه خيار سوى أن ينسى كل ما مضى ومن أجل تحقيق السلام، والنجاة من إهانات يومية وانتهاكات حقوقه الأساسية كل لحظة، لا بد من أن تخضع للمصالح الصهيونية، ومن أجل أن تتوقف القنابل والدبابات من تدمير كل ما يشهد على وجود العرب وثقافتهم، وتاريخ فلسطين وتراث شعبها، لا بد من تسليم الأحجار المستهدفة إلى الشعب المعصوم، وذلك لأنه عاش أكثر من ألفي سنة في الذلة والهوان، وحان الوقت أن ينتقم من كل من سعى إلى الحيلولة دون طموحاته، كما يقترح جده:
"هكذا يجب أن يُفعل بالشخص الذي يتجرأ على أن يتصرف هنا في الوطن وكأننا ما زلنا في الشتات. طوال ألفي سنة تحملنا كل شيء بصمت. ألفي سنة كنا كالغنم نقاد إلى المسلخ. ولكن هنا في بلادنا لا نسمح بأي شكل من الأشكال أن يكون لنا شتات جديد. شرفنا لن يدوسه أحد بعد الآن"
وهجرة عائلة عوز إلى فلسطين في الثلاثينات من القرن العشرين لم تكن سوى خطوة أولى في سبيل تحقيق ذلك الحلم الذي نسجه هرتزل في عينه، وأقنع الجميع في الشتات أن العودة إلى فلسطين هي ليست مغامرة شخصية، بل اشتاق إليها آبائهم وأجدادهم، فلبت نداء صهاينة الغرب المثقفين وهاجرت إلى أرض فلسطين لتسخير الأمة المتخلفة وتثقيفهم بالحضارة المتقدمة، وولد عاموس كلاوسنر عام 1939 "في القدس لأب ليتواني وأم بولندية، هاجرا إلى "أرض الميعاد" التي كان المحتل البريطاني حينها قد استكمل تقريبا تأسيس بنيتها دولة حديثة لليهود على الأراضي الفلسطينية" ، وكان أبوه قادرا على قراءة وكتابة أكثر من عشر لغات العالم:
"عرف والدي القراءة بست عشرة أو سبع عشرة لغة والتحدث بإحدى عشرة (وكلها بلكنة روسية). أمي تحدثت بأربع أو خمس لغات وقرأت بسبع أو ثمان"
بكلمة أخرى، كان والده "جوجل الغرب" وكان اليهود في الشتات قادرين على تحويل الأرض القاحلة إلى "جنة عدن" وتثقيف مواطنيها المتخلفين وإسكان شعب بلا أرض على أرض بلا شعب بسبب تفوقهم العرقي والعقلي "لأنهم جماعة في غاية الذكاء، بوسع أي منهم إقناع البعير بأنه بغل، يا إلهي، ساعتان مع وايزمن كدت بعدها أنتسب، أنا نفسي، للصهيونية"
ومن العجب أن أول بيت عاش وترعرع فيه "أكبر مؤيدي السلام المزعوم"، بني على الأراضي المحتلة ، ثم غادر البيت بعد انتحار والدته وبدأ يعيش في كيبوتس "حولدا" التي كانت قرية فلسطينية حتى نكبة عام 1948 مع 49 يهوديا فقط حسب إحصاء السكان عام 1931 .
وبعد أن استقر على أنقاض آمال الفلسطينيين للعودة إلى أراضيهم، بدأ يحتل قرية بعد قرية كعضو في الجيش الإسرائيلي لإسكان "الشعب المعصوم" الذي كان فريسة للظلم والاضطهاد في الشتات وشارك في عملية الاحتلال منذ عام 1957 وحارب في وحدة دبابات عام 1967 وعلى جبهة الجولان عام 1973، بينما اختص ساعة للدفاع عن الجرائم التي ارتكبها في ملابس العمل الرمادية المغبرة .
وبعد أن قضى خمس وعشرين سنة على قبور أهل خلدة، انتقل إلى عراد للنقمة من أهل تل عراد الفلسطينية وبقي هناك إلى وفاته في الـ 28 من ديسمبر عام 2018. وعلى الرغم من أن مرض ابنه الأصغر بالربو قد أجبره على الانتقال إلى عراد، الأمر المشترك في حياته وتداوله من مكان إلى مكان هو أنه طوال حياته أحب النقمة من الفلسطينيين بسبب الجرائم التي ربما ارتكبها الغرب ضده وضد آبائه عبر العصور وانتقم منهم عن طريق تشريدهم أو قتلهم، وتخريب بيوتهم وتأسيس "جنة عدن" على أنقاضها، وذلك ليري "الآخر" أن يهوديا "لن ينسى ولن يغفر".
عن السلام الصهيوني:
عندما يتكلم عوز عن السلام، يعني به مجرد السلام الشامل لليهودي، فيدعي بأن الصراع الفلسطيني والإسرائيلي إنما الصراع بين الأخوين لأب واحد ولكن حق الحكم فيمن هو إرهابي ومن هو معصوم، لا يرجع إلا إلى اليهودي لأنه محتل على الأراضي المتنازعة.
هو لا يؤمن بتسليم الخد الأخر لعدو ومعنى ذلك أنه يرى العفو والغفران أمر الضعفاء، لكنه لا يعطي هذا الحق لأخيه فالجيش الإسرائيلي يتمكن من الانتهاك بكل ما يناسب لمصالحه من القوانين الدولية ضد أبناء أخيه، بينما الأحجار بيدهم تحول دون المساعي للقيام بالأمن وتكون أكبر عرقلة لعملية السلام.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى عوز أن الدول العربية كلها أرادت تدمير الدولة الصهيونية بعد ساعات من قيامها مباشرة ولكنه ينسي إبادة الفلسطينيين تماما والدعم البريطاني حتى قيام الدولة، بل مشاركتها في هذه الجريمة ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية منذ قرار الجمعية العمومية عام 1947 كما ينسى تشريد الملايين من المواطنين الأصليين لكي يتم إسكان "شعب بلا أرض".
وفي رأيه، أرض فلسطين وطن وحيد لشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ولا مكان ليهودي إلا في فلسطين ولكنه على مدى حياته يسعى إلى إقناع اليهود في الشتات أن الحياة في الشتات حياة لا يهودية وأكبر جريمة قد يرتكبها يهودي، هي الشكوى من الحياة في فلسطين والحنين إلى العودة للحياة في أوربا بين المسيحيين، كما يقوم بخلق الماضي الأليم للترهيب من المستقبل في الشتات وتسويق الحياة في "أرض الميعاد" للترغيب في الهجرة إليها وذلك لا يحدث إلا عندما يريد بائع بيع قاذوراته.
ويرى غالب هلسا أنه "ذلك لأن يهودي الشتات مهدد بالاندماج، إن الفكر الصهيوني يدرك أن اليهود قد هاجروا إلى فلسطين في حالتين فقط: عندما يكون هناك اضطهاد ضدهم، وعندما تغلق في الوقت ذاته أبواب أمريكا وأوروبا في وجوههم.
وهل يمكن ضمان هذين العنصرين إلى الأبد؟
إن رعب الصهيونية هو أن يلقى اليهود معاملة حسنة حيث يعيشون، ولهذا السبب تعلن الصهيونية حربا شعواء على سياسة التنوير التي تهدف إلى الدمج."
وبعد قرار تقسيم فلسطين وإقامة دولتين فيها عام 1947، بذلت دول العالم قصارى جهدها للقيام بالأمن والسلام في المنطقة وبالحقيقة، لم يتم اتخاذ قرار تقسيمها إلا للتوصل إلى السلام الشامل للجانبين، منذ ذلك اليوم، استخدمت الصهاينة قرار الجمعية العمومية لمصالحها، أولا بالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين والعالم كله شاهد عيان وذلك بالتعاون مع أوليائها الغربيين، وثانيا بسياساتها التوسعية بغض النظر تماما عن وجود الجانب الفلسطيني للقرار.
ورفضت الدولة الصهيونية بل غضت البصر عن أي سعي للقيام بالأمن والسلام في فلسطين بحجة عدم وجود الممثل الفلسطيني للمفاوضات، ولكن أتاحت اتفاقية أوسلو الأولى عام 1993 فرصة نادرة للحركة الصهيونية، فأقرت بالمفاوضة مع زعيم حركة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي كان شخصية مؤهلة للدور الذي كان عليه أن يلعب في الأيام القادمة – قائد جريء أمام الشعب الفلسطيني وقائد خاسر أمام الصهاينة، وصورة الزعيم الفلسطيني وقت توقيع اتفاقية "كامب داويد" الثانية عام 2000 تكشف عن كل ما كان مستورا، وبعد فشل هذه الاتفاقيةـ اعترف الرئيس الأمريكي ذلك الوقت بل كلنتون بأن شروطها المقترحة من قبله ومن قبل دولة إسرائيل كانت غير قابلة لدى أي فلسطيني ، ولكن الصهاينة بالتعاون مع الأدباء والكتاب داخل الدولة المغتصبة وخارجها قامت بترويج الشائعات بأن الجانب الفلسطيني لم يسمح بالتوقيع على الاتفاقية.
وتجدر الإشارة إلى أن عوز نفسه كان من المبادرين إلى "وثيقة جينيف" التي تقترح بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران عام 1967، فمعنى هذه الوثيقة أن العمليات التوسعية التي وقعت قبل نكبة حزيران شرعية والجرائم التي ارتكبتها الصهاينة بالتعاون مع حاملي لواء الديمقراطية لم تكن إلا الدفاع عن النفس، كما تقترح أيضا بالتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ولكن الحقيقة تختلف تماما عندما نرى ما حدث بعد الانسحاب عام 2005.
"بدلا من القيام بالعملية (عملية الانسحاب من غزة) عام 2005، التي كان من الممكن أن تكون سهلة جدا، عزمت الحكومة بتقديمها كصدمة وطنية، مثلت عمليا بالأحداث المضحكة المصاحبة بالانسحاب من صحراء سيناء بعد اتفاقية "كامب داويد" الأولى، وفي كلتي الحادثتين، سمح الانسحاب بهتاف "لا للمرة الأخرى" الذي كان معناه عمليا: لا نقدر على التنازل عن إنش من الأراضي المحتلة التي نرغب في احتلالها منتهكين بالقانون الدولي .
ويضيف Pappe قائلا إن "هذه المنطقة تحولت ساحة القتال بعد انسحاب المستوطنين اليهود من قطاع غزة عام 2005 وفوز حماس في الانتخابات التشريعية المنعقدة في بداية عام 2006، وأصبحت مشكلة عسكرية تماما سرعان ما خرجت من إدارة السلطة الفلسطينية وانسحب المستوطنون اليهود منها .
فعلينا أن نسأل عن أهداف الصهاينة تحت ستار هذه الاتفاقيات والمساعي للقيام بالأمن والسلام في المنطقة فكل ما يقترح عوز من خلال أعماله الأدبية وغير الأدبية، هو السلام الشامل لليهود على الأراضي التي هي تحت الاحتلال الصهيوني، والطرق للتوصل إليه كما يلي:
أولا – لا بد للجانب الفلسطيني من الاعتراف بشرعية الدولة الصهيونية ونزع السلاح بينما تتمتع الدولة بالحرية الشاملة لاستخدام الأسلحة الفتاكة دفاعا عن النفس
ثانيا – "حماس" منظمة إرهابية فلا بد أن تكون منظمة تحرير الفلسطينية ممثلا فلسطينيا وحيدا بغض النظر عن الحقيقة أن حماس فازت في الانتخابات التشريعية
ثالثا – للدولة حق في "تلقين الفلسطينيين درسا" كلما تراه ضروريا دفاعا عن النفس
رابعا – دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، ولكن نظامها سيكون حسبما تراه الدولة الصهيونية مناسبا لمصالحها
خامسا – الانسحاب من الأراضي المحتلة عقب نكبة حزيران عام 1967 فقط، ولا حاجة إلى ذكر النكبة الأولى عام 1948 وعمليات الإبادة ضد الفلسطينيين
ولو نظرنا إلى هذه الطرق المقترحة للتوصل إلى السلام الشامل، لوجدنا أنها لا تبدو حلا للنزاع العقاري بين أخوين لأب واحد كما يراه الكاتب الصهيوني، ولو نجح الجانب الصهيوني في إرضاء الجانب الآخر عن التوقيع على اتفاقية، قد تشرع كل ما قام ولا يزال يقوم به من الجرائم الشنعة ضد الفلسطينيين، لحقق هدفه الأول وهو تشريع الدولة المغتصبة على المستوى الدولي ولو فشل فيه، لحقق هدفه الثاني وهو مبرر للعمليات التوسعية وفي كلتي الصورتين، ستأتي الجهود المبذولة بالنتائج المربحة للجانب الصهيوني فقط، فيما لا يجد الجانب الفلسطيني سوى الوعود بالدولة المستقلة ذات السيادة القوية بجانب، وبجانب آخر، التهمة بالإرهاب على هذه السيادة من قبل "أكبر دولة إرهابية" بحجة أنها لا تريد إلا تدمير الدولة المعصومة.

المراجع العربية:

1- عوز، عاموس، قصة عن الحب والظلام، ترجمت على يد جميل غنايم، منشورات الجمل، الطبعة الأولى
2- هلسا، غالب، نقد الأدب الصهيوني، دار التنوير العلمي للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1995
المراجع الإنجليزية:

1- Uris, Leon, Exodus, London: Kimber, 1959
2- Oz, Amos, Under this Blazing Light, Cambridge University Press, 1995
3- Chomsky, Noam & Pappe, Ilan, Gaza in Crisis, Penguin Books, 2011

الجرائد العربية:

1- محمد، سعيد، رحيل عاموس عوز....فرانكشتاين الصهيوني، الأخبار، العدد المنشور الإثنين 31 كانون الأول 2018
2- شلحت، أنطوان، عن عاموس عوز: أدب تجميل الصهيونية، ضفة ثالثة، المقال المنشور في الثاني من يناير 2019